فصل
فإذا تيقن بلوغه جرى عليه قلم التكليف ، وثبت له جميع أحكام الرجل ثم يأخذ في بلوغ الأشد ،
قال الزجاج : الأشد من نحو سبع عشرة سنة الى نحو الأربعين ، وقال ابن عباس في رواية عطاء عنه الأشد : الحلم ، وهو اختيار يحيى بن يعمر ، والسدي ، وروى مجاهد عنه : ستا وثلاثين سنة ، وروى عنه أيضا ثلاثين ، وقال الضحاك : عشرين سنة ، وقال مقاتل : ثمان عشرة ،
وقد أحكم الزهري تحكيم اللفظة ، فقال : بلوغ الأشد يكون من وقت بلوغ الإنسان مبلغ الرجال الى أربعين سنة ، قال : فبلوغ الأشد محصور الأول محصور النهاية غير محصور ما بين ذلك فبلوغ الأشد مرتبة بين البلوغ ، وبين الأربعين ،
ومعنى اللفظة من الشدة ، وهي القوة ، والجلادة ، والشديد الرجل القوي ؛
فالأشد القوي قال الفراء واحدها شدة في القياس ولم أسمع لها بواحد ،
وقال أبو الهيثم : واحدها شدة كنعمة وأنعم ،
وقال بعض أهل اللغة : واحدها شدة بضم الشين ،
وقال آخرون منهم : هو اسم مفرد كالآنك وليس بجمع حكاهما ابن الأنباري
* قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في كتابه القواعد والأصول الجامعة [31-32]:
القاعدة السابعة
التكليف وهو البلوغ والعقل ، شرط لوجوب العبادات ، والتمييز شرط لصحتها إلا الحج والعمرة ، فيصحان ممن لم يميز ، ويشترط مع ذلك الرُّشد للتصرفات ، والملك للتبرعات
هذه القاعدة تشتمل على هذه الضوابط التي تنبني عليها العبادات وجوباً وصحة ، والتصرفات والتبرعات ، فالمكلف الذي هو بالغ عاقل تجب عليه جميع العبادات ، والتكاليف الشرعية ؛ لأنه رؤوف رحيم بعبادة ، فقبل بلوغ الإنسان السن الذي يقوى به على العبادات قوة تامة وهو البلوغ لم يوجب عليه التكاليف ، وكذلك إذا كان عادماً للعقل الذي هو حقيقة الإنسان من باب أولى ، فالذي لا عقل له لا يجب عليه شيء من العبادات ، كما لا يصح منه لعدم شرطها ، وهو النية والقصد التي لا توجد من غير عاقل ،
والبلوغ يحصل : إما بإنزال المني يقظة أو مناماً ، أو بتمام خمسة عشر ، وبإنبات شعر العانة للذكر والأنثى ، وتزيد الأنثى إذا حاضت فقد بلغت 0
لكن المييز يؤمر بالصلاة ، والعبادات التي يقدر عليها من غير إيجاب ، ويُضرب على التزامها ، وفعلها إذا بلغ عشراً ضرباً غير مبرح للتأديب ، لا للوجوب ، وهذا دليل على صحة العبادات كلها من المييز ، فإنه إذا ميز الأمور ، وعرف في الجملة ما ينفع ، وما يضر صار معه عقل يقصد به العبادة ، والخير ، فمن كان دون التمييز لا تصح عبادته كلها ، لمشاركته حينئذٍ لغير العاقل الذي
لا قصد له صحيح سوى الحج ، والعمرة ، فإنه صح أنَّ النبي : رفعت إليه صبياً في المهد ، فقالت : ألهذا حج ؟ قال : نعم ، ولك أجر ) متفق عليه 0
ويستثنى من العبادات ، العبادات المالية كالزكاة ، والنفقات الواجبة ، والكفارات ؛فإنها تجب
على الكبير ، والصغير ، والعاقل ، وغير العاقل ؛ لعموم النصوص قولاً وفعلاً 0
* قال السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه الأشباه والنظائر [240]:
القول في أحكام الصبي
قال في كفاية المتحفظ : الولد ما دام في بطن أمه فهو جنين ، فإذا ولدته سمي صبياً ، فإذا فطم سمي غلاماً ، إلى سبع سنين ، ثم يصير يافعاً ، إلى عشر ، ثم يصير حزوراً ، إلى خمسة عشر أ . هـ
والفقهاء يطلقون الصبي : على من لم يبلغ 0
**********
* قال الإمام أبو محمد علي بن حزم الظاهري رحمه الله تعالى في كتابه ( المحلي ) [1/88-89] :
والشرائع لا تلزم إلا بالاحتلام أو بالإنبات للرجل والمرأة أو بإنزال الماء الذي يكون منه الولد ،
وإن لم يكن احتلام أو بتمام تسعة عشر عاماً كل ذلك للرجل ، والمرأة أو بالحيض للمرأة 0
برهان ذلك ما حدثناه عبدالله بن ربيع ، ثنا محمد بن معاوية ، ثنا أحمد بن شعيب ، ثنا أحمد
بن عمرو بن السرح ، عن ابن وهب ، أخبرني جرير بن حازم ، عن سليمان – وهو الأعمش - ،
عن أبي ظبيان ، عن عبدالله بن عباس ، أن علي بن أبي طالب ، قال لعمر بن الخطاب :
أو تذكر أن رسول الله قال : ( رُفِعَ القَلم عن ثلاثٍ :
عن المجنون المغلوب على عقله ، وعن النَّائم حتى يستيقظ ، وعن الصَّبي حتى يحتلم )
والصَّبي لفظ يعم الصنف كله الذكر والأنثى في اللغة التي بها خوطبنا ...
وقال الشَّافعيَّ : من استكمل خمس عشرة سنة فهو بالغ ، واحتج بأنَّ رسولَ الله عرض عليه
ابن عمر يوم أُحد ، وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ، وعرض عليه يوم الخندق هو ورافع بن خديج ، وهما ابنا خمس عشرة سنة فأجازهما ... أ . هـ
**********
*قال الشيخ خالد بن علي المشقيح حفظه الله تعالى في دورة علمية في يوم الاثنين الموافق 8/6/1422هـ في الأسياح :
وضابط التمييز : المشهور من مذهب الإمام أحمد : هو سبع سنوات ،
والصَّواب : أنه يحد بالحال لا بالسن ؛ فإن كان يفهم الخطاب ، ويرد الجواب ا هـ
*قال المرداوي رحمه الله تعالى في كتابه الآنصاف (1/365) :
قوله : (ولا تجب على صبي)
لا يخلو الصبي : إما أن يكون سنة دون التمييز أو يكون مميزا
فإن كان دون التمييز : لم تجب عليه العبادة قولا واحدا ، ولم تصح منه على الصحيح ،
وذكر المصنف وغيره : أن ابن سبع تصح طهارته ،
وذكر المصنف أيضا : أن ظاهر الخرقي : صحة صلاة العاقل من غير تقدير بسن ،
وذكر المصنف أيضا : أن ظاهر الخرقي : ابن ثلاث سنين أيضا ونحوه يصح إسلامه إذا عقله
وأما إن كان مميزا أو هو ابن سبع سنين عند الجمهور ، واختار في الرعاية ابن ست ،
وقال في القواعد الأصولية : وفي كلام بعضهم ما يقتضي : أنه ابن عشر ،
وقال ابن أبي الفتح في المقنع : وهو الذي يفهم الخطاب ، ويرد الجواب ،
ولا ينضبط بسن بل يختلف الأفهام ، وقاله الطوفي في مختصره في الأصول
قلت : وهو الصواب ، والاشتقاق يدل عليه ، ولعله مراد الأول ، وأن ابن ست أو سبع يفهم ذلك غالبا وضبطوه بالسن 0
إذا علمت ذلك فالمذهب : أن الصلاة وغيرها من العبادات البدنية لا تجب عليه إلا أن يبلغ ،
وعليه جماهير الأصحاب ،
وعنه : تجب على من بلغ عشرا ، قال في الفائق والقواعد : اختارها أبو بكر ،
وظاهر كلامه في الجارية إذا بلغت تسعا : تجب عليها ،
وعنه : تجب على المراهق اختارها أبو الحسن التميمي ، و ابن عقيل أيضا ذكره في الأصول ،
قال أبو المعالي : ونقل عن أحمد في ابن أربع عشرة : إذا ترك الصلاة قتل ،
وعنه : تجب على المميز ذكرها المصنف وغيره ، وأنه مكلف ، وذكرها في المذهب وغيره في الجمعة قال في الجمعة قال في القواعد الأصولية : وإذا أوجبنا الصلاة عليه فهل الوجوب مختص بما عدا الجمعة أم يعم الجمعة وغرها ؟ فيه وجهان لأصحابنا أصحهما :
لا يلزمه الجمعة وإن قلنا بتكليفه في الصلاة قال المجد : هو كالإجماع للخبر
قلت : ظاهر كلام كثير من الأصحاب : التسوية بين الجمعة وغيرها ، وهو الصحيح من المذهب قدمه في الفروع في باب الجمعة ويأتي أيضا هناك
فعلى القول بعدم الوجوب على المميز : لو فعلها صحت منه بلا نزاع ، ويكون ثواب عمله لنفسه ذكره المصنف في غير موضع من كلامه ، وذكره الشيخ تقي الدين ، واختاره ابن عقيل في المجلد التاسع عشر من الفنون وقاله ابن هبيرة ،
وقال ابن عقيل أيضا في بعض كتبه : الصبي ليس من أهل الثواب والعقاب ، ورده في الفروع ،
وقال بعض الأصحاب في طريقته في مسألة تصرفه : ثوابه لوالديه أ . هـ
**********
* شروط صحة الصلاة :
أولا : الإسلام
ثانيا : العقل
ثالثا : التمييز : هو بلوغ سبع سنين ،
ويشترط لصحة صلاته ما يشترط لصحة صلاة البالغ إلا السترة .
ويجب على ولي المميز أن يأمره بالصَّلاة ، ويعلمه إياها ، والطهارة فإن احتاج إلى أجرة فمن مال الصبي فإن لم يكن فعلى من تلزمه نفقته ، ويضرب الصبي على ترك الصَّلاة ونحوها بعد تمام عشر سنين لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال : قال رسول الله :
( مروا أولادكم بالصلاة ، وهم أبناء سبع سنين ، وأضربوهم عليها ، وهم أبناء عشر )
رواه أبو داود : ج - 1 / كتاب الصلاة باب 2 / 0495
**********
البلوغ : فلا تجب الصَّلاة على الصبي والصبية لما روي على علي رضي الله عنه عن النبي قال :
( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يعقل ) ( أبو داود ج 4 / كتاب الحدود باب 16 / 4403 ) ولا يجب عليهما القضاء إذا بلغا لأن زمن الصغر يطول فلو أوجبنا القضاء لشق فعفي عنهما ؛ لكن يندب لهما قضاء ما فات زمن التمييز دون ما قبله ، وإذا بلغ الصبي بعد أداء الصلاة ، وقبل خروج وقتها أجزأته صلاته ، ولا تجب عليه الإعادة لكن تستحب ( بخلاف الحج فتجب عليه إعادته لأن وجوبه في العمر مرة فاشترط وقوعه حال الكمال ) ويجب على أصوب الصبي ، والصبية وعلى المعلم ، والوصي ، والقيم ، والملتقط ومالك الرقيق أن يأمروهما - إذا بلغا سبع سنين وهما مميزان - بالصَّلاة ، وما تتوقف عليه من وضوء وطهارة ( ويقاس على أمر الصبي بالصلاة والطهارة سائر الوظائف الدينية وتعريفه بتحريم الزنى وشبهه والخمر والغيبة وما إلى ذلك ) لقوله تعالى { وأمر أهلك بالصلاة } ( طه 132 ) فإن لم يكونا مميزين لم يؤمرا لأنهما لا تصح من غير مميز 0
أما لو حصل التمييز قبل إتمام السبع فلا يجب الأمر .
والحكمة من ذلك التمرين على العبادة ليعتادها فلا يتركاها إن شاء الله ،
ولا يقتصر الأمر على مجرد الصيغة بل لا بد معه من التهديد كأن يقول : صل ، وإلا ضربتك ، ويضرب الصبي ، والصبية على ترك الصلاة ، ونحوها بعد تمام عشر سنين ضربا رفيقا غير عنيف لأنه للتأديب لا للعقوبة لما روي عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده
قال : قال رسول الله :
( مروا أولادكم بالصلاة ، وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها ، وهم أبناء عشر )
( أبو داود ج 1 / كتاب الصلاة باب 26 / 495 ) وأمر الصبي بالصلاة ، وضربه عليها فرض كفاية على من تقدم ذكرهم ( معنى فرض الكفاية : أنه إذا فعله من فيه كفاية سقط الحرج
عن الباقين وإن تركوه كلهم أثموا كلهم ) 0 أ . هـ
* قال العظيم آبادي رحمه الله تعالى في كتابه عون المعبود :
وحكى بن العربي : أن بعض الفقهاء : سئل عن إسلام الصبي ؟
فقال : لا يصح ، واستدل بهذا الحديث ،
فعورض : بأن الذي ارتفع عنه قلم المؤاخذة ، وأما قلم الثواب فلا ،
لقوله للمرأة لما سألته : ألهذا حج ، قال : نعم ، ولقوله : (مروهم بالصلاة)،
فإذا جرى له قلم الثواب ؛ فكلمة الإسلام أجل أنواع الثواب ،
فكيف يقال : إنها تقع لغوا ، ويعتد بحجه وصلاته ... أ . هـ
* قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (4/71) :
قال بن بَطَّال : أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصَّبي حتى يبلغ إلا أنه إذا حج به كان له تطوعا عند الجمهور ، وقال أبو حنيفة : لا يصح إحرامه ، ولا يلزمه شيء بفعل شيء من محظورات الإحرام ، وإنما يحج به على جهة التدريب ، وشذ بعضهم فقال : إذا حج الصبي أجزاه ذلك عن حجة الإسلام لظاهر قوله : نعم في جواب : ألهذا حج ؟ ،
وقال الطحاوي : لا حجة فيه لذلك ؛ بل فيه حجة على من زعم : أنه لا حج له لأن بن عباس راوي الحديث ، قال : أيما غلام حج به أهله ثم بلغ فعليه حجة أخرى ثم ساقه بإسناد صحيح
أ . هـ