فصل
في أن الأطفال ، وهم حمل في الرَّحم أقوى منهم بعد ولادتهم ، وأصبر ، وأشد احتمالا لما يعرض لهم ، وكذلك تكون العناية بهم بعد ولادهم آكد ، والحذر عليهم أشد فإن أغصان الشجرة ، وفروعها ما دامت لاصقة بالشجرة ، ومتصلة بها لا تكاد الرياح العواصف تزعزعها ، ولا تقتلعها فإذا فصلت عنها ، وغرست في مواضع أخر نالتها الآفة ، ووصلت إليها بأدنى ريح تهب حتى تقتلعها، وكذلك الجنين ما دام في الرحم فهو يقوى ، ويصبر على ما يعرض له ، ويناله من سوء التدبير ، والأذى على ما لا يصبر على اليسير منه بعد ولادته ، وانفصاله عن الرحم ، وكذلك الثمرة على الشجرة أقوى منها ، وأثبت بعد قطعها منها ، ولما كان مفارقة كل معتاد ، ومألوف بالانتقال عنه شديدا على من رامه ، ولا سيما إذا كان الانتقال دفعة واحدة فالجنين عند مفارقته للرحم ينتقل عما قد ألفه ، واعتاده في جميع أحواله دفعة واحدة ، وشدة ذلك الانتقال عليه أكثر من شدة الانتقال بالتدريج ، ولذلك قال بقراط : قد يعلم بأهون سعي ، وأيسره أن التدبير الرديء من المطعم ، والمشرب إذا كان يجري مع رداءته على أمر واحد يشبه بعضه بعضا دائما فهو أوثق ، وأحرز ، وأبعد عن الخطر في التماس الصحة للأبدان من أن ينقل الرجل تدبيره دفعة واحدة إلى غذاء أفضل منه فالجنين ينتقل عما ألفه ، واعتاده في غذائه ، وتنفسه ، ومداخله ، وما يكتنفه وهلة واحدة ، وهذه أول شدة يلقاها في الدنيا ، ثم تتوافر عليها الشدائد حتى يكون آخرها الشدة العظمى التي لا شدة فوقها أو الراحة العظمى التي لا تعب دونها ، ولذلك لا يبكي عند ،
ورود هذه الشدة عليه مع ما يلقاه من وكز الشيطان ، وطعنه في خاصرته 0
فصل
والجنين في الرَّحم كان يغتذي بما يلائمه ، وكان يجتذب بالطبع المقدار الذي يلائمه من دم أمه وبعد خروجه يجتذب من اللبن ما يلائمه أيضاً لكنه يجتذب بشهوته ، وإرادته فيزيد على مقدار
ما يحتاج إليه مع كون اللبن يكون رديئا ، ومعلولا كما يكون صحيحا ، وكذلك يعرض له القيء والغثيان ، ويجتذب أخلاط بدنه ، وتعرض له الآلام والأوجاع ، والآفات التي لم تعرض له في البطن وقد كان عليه من الأغشية ، والحجب ما يمنع وصول الأذى اليه فلما ولد هيىء له أغشية ،
وحجب أخر لم يكن يألفها ويعتادها وربما صحى للحر والبرد والهواء وكان يجتذبه من سرته ،
وهو ألطف شيء معتدل صحيح قد يصح قلب الأم ، وعروقها الضوارب فهو شبيه بما يجتذبه من هو داخل الحمام من الهواء اللطيف المعتدل ثم يخرج منه وهلة واحدة عرياناً إلى الهواء العاصف المؤذي ، وبالجملة فقد انتقل عن مألوفه ، وما اعتاده وهلة واحدة إلى ما هو أشد عليه منه ، وأصعب ، وهذا من تمام حكمة الخلاق العليم ليمرن عبده على مفارقة عوائده ، ومألوفاته إلى
ما هو أفضل منها ، وأنفع ، وأوفق له ، وقد أشار تعالى إلى هذا بقوله (لتركبن طبقا عن طبق )الانشقاق 19 أي : حالا بعد حال ؛ فأول أطباقة كونه نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم جنينا ، ثم مولودا ، ثم رضيعا ، ثم فطميا ، ثم صحيحا ، أو مريضا غنيا ، أو فقيراً معافى أو مبتلى إلى جميع أحوال الإنسان المختلفة عليه إلى أن يموت ، ثم يبعث ، ثم يوقف بين يدي الله تعالى ثم يصير إلى الجنة أو النار فالمعنى لتركبن حالا بعد حال ، ومنزلا بعد منزل وأمراً بعد أمر ،
قال سعيد بن جبير ، وابن زيد : لتكونن في الآخرة بعد الأولى ، ولتصيرن أغنياء بعد الفقر ،
وفقراء بعد الغنى ، وقال عطاء : شدة بعد شدة ، والطبق ، والطبقة الحال ،
ولهذا يقال : كان فلان على طبقات شتى ، قال عمرو بن العاص : لقد كنت على طبقات ثلاث أي أحوال ثلاث ، قال ابن الأعرابي : الطبق الحال على اختلافها ، وقد ذكرنا بعض أطباق الجنين في البطن من حين كونه نطفة إلى وقت ولاده ، ثم نذكر أطباقه بعد ولادته إلى آخرها فنقول
الجنين في الرحم بمنزلة الثمرة على الشجرة في اتصالها بمحلها اتصالا قويا فإذا بلغت الغاية لم يبق
إلا انفصالها لثقلها ، وكمالها ، وانقطاع العروق الممسكة لها فكذا الجنين تنهك عنه تلك الأغشية وتنفصل العروق التي تمسكه بين المشيمة ، والرحم ، وتصير تلك الرطوبات المزلفة فتعينه بإزلاقها وثقله ، وانتهاك الحجب ، وانفصال العروق على الخروج فينفتح الرحم انفتاحا عظيما جدا ،
ولا بد من انفصال بعض المفاصل العظيمة ثم تلتئم في أسرع زمان ، وقد اعترف بذلك حذاق الأطباق ، والمشرحين ، وقالوا : لا يتم ذلك إلا بعناية إلهية ، وتدبير يعجز عقول الناس
عن إدراك كيفيته فتبارك الله أحسن الخالقين فإذا انفصل الجنين بكى ساعة انفصاله لسبب طبيعي ،
وهو مفارقة إلفه ومكانه الذي كان فيه ، وسبب منفصل عنه ،
وهو طعن الشيطان في خاصرته فإذا انفصل ، وتم انفصاله مد يده إلى فيه ،
فإذا تم له أربعون يوما تجد له أمر آخر على نحو ما كان يتجدد له ، وهو في الرحم فيضحك عند الأربعين ، وذلك أول ما يعقل نفسه ،
فإذا تم له شهران رأى المنامات ثم ينشأ معه التمييز ، والعقل على التدريج شيئا فشيئا إلى
سن التمييز ، وليس له سن معين بل من الناس ما يميز لخمس كما قال محمود بن الربيع :
عقلت من النبي مجة مجها في وجهي من دلو في بئرهم ، وأنا ابن خمس سنين ،
ولذلك جعلت الخمس سنين حداً لحدة سماع الصبي ، وبعضهم يميز لأقل منها ،
ويذكر أمورا جرت له وهو دون الخمس سنين ، وقد ذكرنا عن إياس بن معاوية أنه قال :
اذكر يوم ولدتني أمي فإني خرجت من ظلمة إلى ضوء ثم صرت إلى ظلمة ،
فسئلت أمه عن ذلك فقالت : صدق لما انفصل مني لم يكن عندي ما ألفه به فوضعت عليه قصعة ، وهذا من أعجب الإشياء ، وأندرها ،
فإذا صار له سبع سنين دخل في سن التمييز وأمر بالصلاة ، كما في المسند والسنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله :
(مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين وأضربوهم عليها لعشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع )
وقد خير النبي ابنة فطيماً بين أبويها كما روى أبو داود في سننه من حديث عبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن رافع بن سنان الأنصاري ، قال : أخبرني أبي ، عن جدي رافع بن سنان ، أنه أسلم فأبت امرأته أن تسلم ، فأتت النبي فقالت : ابنتي ، وهي فطيم أو شبهه ، وقال نافع : ابنتي ، فقال رسول الله : اقعد ناحية ، وقال لها : اقعدي ناحية ، فأقعد الصبية بينهما
ثم قال : ادعواها ، فمالت إلى أمها ، فقال النبي : اللهم اهدها ، فمالت إلى أبيها فأخذها ،
و لا أحسن من هذا الحكم ، ولا أقرب إلى النظر ، والعدل ،
وعند النسائي في رواية عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري ، عن أبيه أن جده أسلم ، وأبت امرأته أن تسلم فجاء بابن له صغير ، ولم يبلغ فأجلس النبي الأب هاهنا ، والأم ها هنا ثم خيره ،
وقال : اللهم اهده فذهب إلى أبيه ، وفي المسند من حديث أبي هريرة أن رسول الله خير غلاما بين أبيه ، وأمه ، وأما تقيد وقت التخيير بسبع فليس في الأحاديث المرفوعة اعتباره ، وإنما ذكر فيه أثر عن علي ، وأبي هريرة قال عمارة الجرمي : خيرني علي بين أمي ، وعمي ، وكنت ابن سبع سنين أو ثمان سنين ، وهذا لا يدل على أن من دون ذلك لا يخير بل اتفق أن ذلك الغلام المخير كان سنه ذلك
وفي السنن من حديث أبي هريرة جاءت امرأة إلى النبي فقالت : يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني ، وقد سقاني من بئر أبي عنبة ، وقد نفعني ، فقال له النبي : هذا أبوك ، وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت ؟ فأخذ بيد أمه فانطلقت به ، ولم يسأل عن سنه ، وظاهر أمره أن غاية
ما وصل إليه أنه سقاها من البئر فليس في أحاديث التخيير مرفوعها ، وموقوفها تقييد بالسبع ، والذي دلت عليه : أنه متى ميز بين أبيه ، وأمه خير بينهما ، والله أعلم 0
وكذلك صحة إسلامه لا تتوقف على السبع بل متى عقل الإسلام ، ووصفه صح إسلامه ، واشترط الخرقي أن يكون ابن عشر سنين ، وقد نص أحمد على ذلك في الوصية فإنه قال في رواية ابنيه صالح ، وعبد الله ، وعمه أبي طالب ، وإسحاق بن ابراهيم ، وأبي داود ، وابن منصور :
على اشتراط العشر سنين لصحة وصيته ، وقال له أبو طالب : فإن كان دون العشرة ؟
قال : لا ، واحتج في رواية إسحاق بن إبراهيم بأنه يضرب على الصَّلاة لعشر ،
وأما إسلامه فقال في المغنى أكثر المصححين لإسلامه لم يشترطوا العشر ، ولم يحدوا له حداً
وحكاه ابن المنذر عن أحمد لأن المقصود حصل لا حاجة إلى زيادة عليه 0
وروي عن أحمد إذا كان ابن سبع سنين ، فإسلامه إسلام لأن النبي قال :
(مروهم بالصَّلاة لسبع) ، فدل على أن ذلك حد لأمرهم ، وصحة عباداتهم فيكون حداً لصحة إسلامهم ، وقال ابن أبي شيبة إذا أسلم ، وهو ابن خمس سنين جعل إسلامه إسلاماً ؛لأن عليا أسلم وهو ابن خمس سنين ، وقال أبو أيوب : أجيز إسلام ابن ثلاث سنين من أصاب الحق من صغير
أو كبير أجزناه ، وهذا لا يكاد يعقل الإسلام ، ولا يدري ما يقول ، ولا يثبت لقوله حكم فإن وجد ذلك منه ، ودلت أقواله ، وأفعاله على معرفة الإسلام ، وعقاله إياه صح منه كغيره انتهى كلامه فقد صرح الشيخ بصحة إسلام ابن ثلاث سنين إذا عقل الإسلام ،
وقد قال الميموني قلت لأبي عبد الله : الغلام يسلم ، وهو ابن عشر سنين ، ولم يبلغ الحنث ،
قال : أقبل إسلامه ، قلت : بأي شيء تحتج فيه ، قال : أنا أضربه على الصَّلاة ابن عشر ،
وأفرق بينهم في المضاجع ، وقال الفضل بن زيادة سألت أحمد عن الصَّبي النصراني يسلم كيف تصنع به ، قال : إذا بلغ عشرا أجبرته على الإسلام لأن النبي قال : (علموا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر) فهذه رواية ، وعنه رواية أخرى : يصح إسلام ابن سبع سنين 0
قال أبو الحارث : قيل لأبي عبد الله : إن غلاماً صغيراً أقر بالإسلام ، وشهد أن لا إله إلا الله ،
وأن محمدا رسول الله ، وصلى ، وهو صغير لم يدرك ، ثم رجع عن الإسلام يجوز إسلامه ،
وهو صغير قال : نعم إذا أتى له سبع سنين ، ثم أسلم أجبر على الإسلام لأن النبي قال : (علموهم الصلاة لسبع) فكان حكم الصلاة قد وجب إذ أمر أن يعلموهم الصَّلاة لسبع ،
وقال صالح : قال أبي إذا بلغ اليهودي ، والنصراني سبع سنين ، ثم أسلم أجبر على الإسلام
لأنه إذا بلغ سبعا أمر بالصلاة ، قلت : وإن كان ابن ست ؟ قال : لا 0
فصل
فإذا صار ابن عشر ازداد قوة ، وعقلا ، واحتمالا للعبادات فيضرب على ترك الصَّلاة
كما أمر به النبي ، وهذا ضرب تأديب ، وتمرين ،
وعند بلوغ العشر يتجدد له حال أخرى يقوى فيها تمييزه ، ومعرفته ،
ولذلك ذهب كثير من الفقهاء إلى وجوب الإيمان عليه في هذا الحال ، وأنه يعاقب على تركه ،
وهذا اختيار أبي الخطاب وغيره ، وهو قول قوي جدا ، وإن رفع عنه قلم التكليف بالفروع فإنه قد أعطي آلة معرفة الصانع ، والإقرار بتوحيده ، وصدق رسله ، وتمكن من نظر مثله ، واستدلاله كما هو متمكن من فهم العلوم ، والصنائع ، ومصالح دنياه فلا عذر له في الكفر بالله ،
ورسوله مع أن أدلة الإيمان بالله ورسوله أظهر من كل علم ، وصناعة يتعلمها 0
وقد قال تعالى :(وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ) الأنعام 19
أي : ومن بلغه القرآن فكل من بلغه القرآن ، وتمكن من فهمه فهو منذر به ،
والأحاديث التي رويت في امتحان الأطفال والمعتوهين ، والهالك في الفترة إنما تدل على امتحان
من لم يعقل الإسلام فهؤلاء يدلون بحجتهم أنهم لم تبلغهم الدعوة ، ولم يعقلوا الإسلام ، ومن فهم دقائق الصناعات ، والعلوم لا يمكنه أن يدلي على الله بهذه الحجة ، وعدم ترتيب الأحكام عليهم
في الدنيا قبل البلوغ لا يدل على عدم ترتيبها عليهم في الآخرة ،
وهذا القول هو المحكي عن أبي حنيفة ، وأصحابه ، وهو في غاية القوة 0
فصل
ثم بعد العشر إلى سن البلوغ يسمى مراهقا ، ومناهزا للاحتلام فإذا بلغ خمس عشرة سنة عرض له حال آخر يحصل معه الاحتلام ، ونبات الشعر الخشن حول القبل ، وغلظ الصوت ،
وانفراق أرنبة أنفه ، والذي اعتبره الشارع من ذلك أمران : الاحتلام ، والإنبات :
أما الاحتلام فقال الله تعالى :(يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات) ، ثم قال :(وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذان الذين من قبلهم النور) 59
وقال النبي :(رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ،
وعن النائم حتى يستيقظ ) وقال لمعاذ : خذ من كل حالم دينارا ، رواهما أحمد وأبو داود
وليس لوقت الاحتلام سن معتاد ؛ بل من الصبيان من يحتلم لاثنتي عشرة سنة ،
ومنهم من يأتي عليه خمس عشرة ، وست عشرة سنة ، وأكثر من ذلك ، ولا يحتلم ،
واختلف الفقهاء في السن الذي يبلغ به مثل هذا :
فقال الأوزاعي وأحمد والشافعي وأبو يوسف ومحمد متى كمل خمس عشرة سنة حكم ببلوغه ، ولأصحاب مالك ثلاثة أقوال :
أحدها سبع عشرة ،
والثاني ثماني عشرة ،
والثالث خمس عشرة وهو المحكي عن مالك
وعن أبي حنيفة روايتان :
إحداهما سبع عشرة ،
والأخرى ثماني عشرة والجارية عند سبع عشرة
وقال داود وأصحابه : لا حد له بالسن إنما هو الاحتلام ، وهذا قول قوي ،
وليس عن رسول الله في السن حد البتة ، وغاية ما احتج به من قيده بخمس عشرة سنة بحديث ابن عمر حيث عرض على النبي في القتال ، وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ثم عرض عليه ، وهو ابن خمس عشرة فأجازه ، وهذا الحديث ، وإن كان متفقا على صحته فلا دليل فيه على أنه أجازه لبلوغه ؛ بل لعله استصغره أولا ولم يره مطيقا للقتال فلما كان له خمس عشرة سنة رآه مطيقا للقتال فأجازه ولهذا لم يسأله هل احتملت ؟أو لم تحتلم ؟
والله سبحانه إنما علق الأحكام بالاحتلام وكذلك رسول الله ولم يأت عنه في السن حديث واحد سوى ما حكاه ابن عمر من إجازته ، ورده ، ولهذا اضطربت أقوال الفقهاء في السن الذي يحكم ببلوغ الصبي له ، وقد نص الإمام أحمد : أن الصبي لا يكون محرما للمرأة حتى يحتلم ،
فاشترط الاحتلام 0
فصل
وأما الإنبات فهو نبات الشعر الخشن حول قبل الصبي ، والبنت ، ولا اعتبار بالزغب الضعيف ، وهذا مذهب أحمد ، ومالك ، وأحد قولي الشَّافعي ، وقال في الآخر : هو علم في حق الكفار دون المسلمين لأن أولاد المسلمين يمكن معرفة بلوغهم بالبينة ، وقبول قول البالغ منهم بخلاف الكافر
وقال أبو حنيفة : لا اعتبار به بحال كما لا يعتبر غلظ الصوت ، وانفراق الأنف ،
واحتج من جعله بلوغا بما في الصحيحين أن النبي لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم بأن تقتل مقاتلهتم ، وتسبى ذراريهم ، وأمر بأن يكشف عن مؤتزرهم فمن أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت ألحق بالذرية ، قال عطية : فشكوا في فأمر النبي أن ينظروا إلي هل أنبت بعد فنظروا في فلم يجدوني أنبت فالحقوني بالذرية ، واستمر على هذا عمل الصحابة رضي الله عنهم بعد النبي فكتب عمر إلى عامله : أن لا تأخذ الجزية إلا ممن جرت عليه الموسى ،
وذكر البيهقي من حديث ابن علية عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن يحيى بن حبان :
أن عمر رفع اليه غلام ابتهر جارية في شعره فقال : انظروا إليه فلم يوجد أنبت فدرأ عنه الحد ،
قال أبو عبيد : والابتهار أن يقذفها بنفسه ، ويقول فعلت بها كاذبا وذكر عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه أتي بغلام قد سرق : فقال : انظروا إلى مؤتزره فنظروا فلم يجدوه أنبت الشعر فلم يقطعه ، وذكر عن ابن عمر إذا أصاب الغلام الحد فارتيب فيه هل احتلم أم لا ؟
فانظر إلى عانته ،
وفي هذا بيان أن الإنبات علم على البلوغ ، وعلى أنه علم في حق أولاد المسلمين ، والكفار
وعلى أنه يجوز النظر إلى عورة الأجنبي للحاجة من معرفة البلوغ وغيره 0
وأما ما ذكره بعض المتأخرين أنه يكشف ، ويستدبره الناظر ، ويستقبلان جميعا المرآة ، وينظر إليها الناظر فيرى الإنبات ، فشيء قاله من تلقاء نفسه لم يفعله رسول الله ، ولا أحد من الصحابة ،
ولا اعتبره أحد من الأئمة قبله 0