إلياس مشرف
المساهمات : 113 تاريخ التسجيل : 01/05/2008 العمر : 37
| موضوع: الداء والدواء 5 السبت 25 أكتوبر 2008 - 21:12 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم فصل:
وأعظم الخلق غزورا من اغتر بالدنيا وعاجلها فأثرها على الآخرة ورضي بها من الآخرة حتى يقول بعض هؤلاء الدنيا نقد والآخر نسيئة والنقد أنفع من النسيئة ويقول بعضهم درة منقودة ولادرة موعودة ويقول آخر منهم لذات الدنيا متيقنة ولذات الآخرة مشكوك فيها ولا أدع اليقين للشك وهذا من أعظم تلبيس الشيطان وتسويله والبهائم العجم أعقل من هؤلاء فان البهيمة إذا خافت مضرة شيء لم تقدم عليه ولو ضربت وهؤلاء يقدم أحدهم على ما فيه عطبه وهو ينظر اليه وهو بين مصدق ومكذب فهذا الضرب إن آمن أحدهم بالله ورسوله ولقائه والجزاء فهو من أعظم الناس حسرة لأنه أقدم على علم وإن لم يؤمن بالله ورسوله فا بعد له وقول هذا القائل النقد خير من النسيئة فجوابه انه اذا تساوي النقد والنسيئة فالنقد خير وان تفاوتا وكانت النسيئة أكبر وأفضل فهي خير فكيف والدنيا كلها من أولها الى آخرها كنفس واحد من أنفاس الآخرة كما في مسند أحمد والترمذي من حديث المستورد بن شداد قال قال رسول الله ما الدنيا في الآخرة الا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع فايثار هذا النقد على هذه النسيئة من أعظم الغبن وأقبح الجهل واذا كان هذا نسبة الدنيا بمجموعها الى الآخرة فما مقدار عمر الانسان بالنسبة الى الآخرة فأيما أولى بالعاقل إيثار العاجل في هذه المدة اليسيرة وحرمان الخير الدائم في الآخرة أم ترك شيء حقير صغير منقطع عن قرب ليأخذ مالا قيمة له ولا حظر له ولانهاية لعدده ولاغاية لأمده وأما قول الآخر لا أترك متيقنا لمشكوك فيه فيقال له إما أن تكون على شك من وعد الله ووعيده وصدق رسله أو تكون على اليقين من ذلك فان كنت على اليقين فما تركت الا ذرة عاجلة منقطعة فانية عن قرب لأنه متيقن لأشك فيه ولا انقطاع له وان كنت على شك فتأمل آيات الرب تعالى الدالة على وجوده وقدرته ومشيئته ووحدانيته وصدق رسله فيما أخبروا به عنه وتجرد وقمم لله ناظرا أو مناظرا حتي يتبين لك أن ما جاءت به الرسل عن الله فهو الحق الذي لاشك فيه وان خالق هذا العالم هو رب السموات والأرض يتعالى ويتقدس ويتنزه عن خلاف ما اخبرت به رسله عنه ومن نسبه الى غير ذلك فقد شتمه وكذبه وأنكر ربوبيته وملكه اذا من المحال الممتنع عند كل ذي فطرة سليسة أن يكون الملك الحق عاجزا أو جاهلا لا يعلم شيئا ولا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم ولا يأمر ولا ينهي ولا يثيب ولا يعاقب ولا يعز من يشاء ولا يذل من يشاء ولا يرسل رسله إلى أطراف مملكته ونواحيها ولا يعتني باحوال رعيته بل يتركهم سدي ويخليهم هملا ولهذا يقدح في ملك آحاد ملوك البشر ولايليق به فكيف يجوز نسبه الملك الحق المبين اليه واذا تأمل الانسان حاله من مبدأ كونه نطفة الى حين كماله واستوائه تبين له ان من عني به هذه العناية ونقله الى هذه الأحوال وصرفه في هذه الأطوار لا يليق به أن يهمله ويتركه سدى لا يأمر ولا ينهاه ولا يعرفه بحقوقه عليه ولا يثيبه ولا يعاقبه ولو تأمل العبد حق التأمل لكان كل ما يبصره وما لا يبصره دليلا له على التوحيد والنبوة والمعاد وأن القرآن كلامه وقد ذكرنا وجه الاستدلال بذلك في كتاب إيمان القرآن عند قوله فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون إنه لقول رسول كريم وذكرنا طرفا من ذلك عند قوله وفي أنفسكم أفلا تبصرون وأن الانسان دليل نفسه على وجود خالقه وتوحيده وصدق رسله وإثبات صفات كماله فقد بان بان المضيع مغرور على التقديرين تقدير تصديقه ويقينه وتقدير تكذيبه وشكه فان قلت كيف يجتمع التصديق الجازم الذى لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل وهل في الطباع البشرية ان يعلم العبد انه مطلوب غدا الى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشد عقوبة أو يكرمه أتم كرامة ويبيت ساهيا غافلا لا يتذكر موقفه بين يدي الملك ولا يستعد له ولا يأخذ له أهبة قيل هذا لعمر الله سؤال صحيح وارد على أكثر هذا الخلق واجتماع هذين الامرين من أعجب الاشياء وهذا التخلف له عدة أسباب أحدها ضعف العلم ونقصان اليقين ومن ظن أن العلم لا يتفاوت فقوله من أفسد الاقوال وأبطلها وقد سأل ابراهيم الخليل ربه أن يريه أحياء الموتي عيانا بعد علمه بقدرة الرب على ذلك ليزداد طمأنينة ويصير المعلوم غيبا شهادة وقد روى أحمد في مسنده عن النبي انه قال ليس الخبر كالمعاين فاذا اجتمع الى ضعف العلم عدم استحضاره أو غيبته عن القلب كثيرا من أوقاته أو أكثرها لاشتغاله بما يضاده وانضم الى ذلك تقاضي الطبع وغلبات الهوي واستيلاء الشهوة وتسويل النفس وغرور الشيطان واستبطاء الوعد وطول الامل ورقدة الغفلة وحب العاجلة ورخص التأويل والف العوائد فهناك لا يمسك الايمان في القلب الا الذي يمسك السموات والارض أن تزولا وبهذا السبب يتفاوت الناس في الايمان والاعمال حتى ينتهي الى أدني مثقال ذرة في القلب وجماع هذه الاسباب يرجع الى ضعف البصيرة والصبر ولهذا مدح الله سبحانه أهل الصبر واليقين وجعلهم أئمة في الدين فقال تعالى وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون فصل وقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور وان حسن الظن ان حمل على العمل وحث عليه وساعده وساق اليه فهو صحيح وان دعا الى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور وحسن الظن هو الرجاء فمن كان رجاؤه جاذبا له على الطاعة زاجرا له عن المعصية فهو رجاء صحيح ومن كانت بطالته رجاء ورجاؤه بطالة وتفريطا فهو المغرور ولو أن رجلا كانت له أرض يؤمل أن يعود عليه من مغلها ما ينفعه فاهملها ولم يبذرها ولم يحرثها وأحسن ظنه بأنه يأتى من مغلها ما يأتي من غير حرث وبذر وسقي وتعاهد الارض لعده الناس من أسفه السفهاء وكذلك لو حسن ظنه وقوى رجاءه بانه يجيئه ولد من غير جماع أو يصير أعلم أهل زمانه من غير طلب العلم وحرص تام عليه وأمثال ذلك فكذلك من حسن ظنه وقوى رجاؤه في الفوز بالدرجات العلي والنعيم المقيم من غير طاعة ولا تقرب الى الله تعالى بأمتثال أوامره واجتناب نواهيه وبالله التوفيق وقد قال الله تعالى أن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله فتأمل كيف جعل رجاءهم باتيانهم بهذه الطاعات وقال المغترون ان المفرطين المضيعين لحقوق الله المعطلين لاوامره الباغين على عباده المتجزئين على محارمه أولئك يرجون رحمة الله وسر المسئلة ان الرجاء وحسن الظن إنما يكون مع الاتيان بالاسباب التي اقتضتها حكمة الله في شرعه وقدره وثوابه وكرامته فيأتي العبد بها ثم يحسن ظنه بربه ويرجوه أن لايكله إليها وأن يجعلها موصلة الى ما ينفعه ويصرف ما يعرضها ويبطل أثرها. | |
|