إلياس مشرف
المساهمات : 113 تاريخ التسجيل : 01/05/2008 العمر : 37
| موضوع: الداء والدواء 3 الجمعة 24 أكتوبر 2008 - 21:14 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم فصل: الأمر الثاني أن يحذر مغالطة نفسه على هذه الأسباب وهذا من أهم الأمور فان العبد يعرف أن المعصية والغفلة من الأسباب المضرة له في دنياه وآخرته ولا جد ولكن تغالطه نفسه بالاتكال على عفو الله ومغفرته تارة وبالتشويف بالتوبة والاستغفار باللسان تارة وبفعل المندوبات تارة وبالعلم تارة وبالاحتجاج بالقدر تارة وبالاحتجاج بالاشباه والنظراء تارة وبالاقتداء بالأكابر تارة وكثير من الناس يظن أنه لو فعل ما فعل ثم قال أستغفر الله زال أثر الذنب وراح هذا بهذا وقال لى رجل من المنتسبين الى الفقه أنا أفعل ما أفعل ثم أقول سبحان الله وبحمده مائة مرة وقد غفر ذلك أجمعه كما صح عن النبي أنه قال من قال في يوم سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر وقال لي آخر من أهل مكة نحن أحدنا إذا فعل ما فعل ثم اغتسل وطاف بالبيت أسبوعا قد محي عنه ذلك وقال لي آخر قد صح عن النبي أنه قال أذنب عبد ذنبا فقال أي رب أصبت ذنبا فاغفر لي فغفر الله ذنبه ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا آخر فقال أي رب أصبت ذنبا فاغفر لي فقال الله عز وجل علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي فليصنع ما شاء وقال أنا لا أشك أن لي ربا يغفر الذنب ويأخذ به وهذا الضرب من الناس قد تعلق بنصوص من الرجاء واتكل عليها وتعلق بها بكلتا يديه واذا عوتب على الخطايا والانهماك فيها سرد لك ما يحفظه من سعة رحمة الله ومغرته ونصوص الرجاء وللجهال من هذا الضرب من الناس في هذا الباب غرائب وعجائب كقول بعضهم وكثر مااستطعت من الخطايا اذا كان القدوم على كريم وقول بعضهم التنزه من الذنوب جهل بسعة عفو الله وقال الآخر ترك الذنوب جراءة على مغفرة الله واستصغارا لها وقال محمد بن حزم رأيت بعض هؤلاء من يقول في دعائه اللهم اني أعوذ بك من العصمة ومن هؤلاء المغرورين من يتعلق بمسألة الجبروان العبد لافعل له البتة ولا إختيار وإنما هو مجبور على فعل المعاصي ومن هؤلاء من يغتر بمسألة الا رجاء وأن الايمان هو مجرد التصديق والاعمال ليست من الايمان وأن ايمان أفسق الناس كايمان جبريل وميكائيل ومن هؤلاء من يغتر بمحبة الفقراء والمشايخ والصالحين وكثرة التردد إلي قبورهم والتضرع إليهم والاستشفاع بهم والتوسل الى الله بهم وسؤاله بحقهم عليه وحرمتهم عنده ومنهم من يغتر بآبائه وأسلافه وأن لهم عند الله مكانة وصلاحا فلا يدعون أن يخلصوه كما يشاهد في حضرة الملوك فإن الملوك تهب لخواصهم ذنوب أبنائهم وأقاربهم وإذا وقع أحد منهم في أمر مفظع خلصه أبوه وجده بجاهه ومنزلته ومنهم من يغتر بان الله عز وجل غنى عن عذابه وعذابه لايزيد في ملكه شيئا ورحمته له لاينقص من ملكه شيئا فيقول أنا مضطر إلى رحمته وهو أغني الاغنياء ولو أن فقيرا مسكينا مضطرا الى شربة ماء عند من في داره شط يجري لما منعه منها فالله أكرم وأوسع فالمغفرة لاتنقصه شيئا والعقوبة لاتزيد في ملكه شيئا ومنهم من يغتر بفهم فاسد فهمه هو وأضرابه من نصوص القرآن والسنة فاتكلوا عليه كاتكال بعضهم على قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى قال وهو لايرضى أن يكون في النار أحد من أمته وهذا من أقبح الجهل وأبين الكذب عليه فانه يرضى بما يرضى به ربه عز وجل والله تعالى يرضيه تعذيب الظلمة والفسقة والخونة والمصرين على الكبائر فحاشا رسوله أن يرضى بما لايرضى به ربه تبارك وتعالى وكاتكال بعضهم على قوله تعالى ان الله يغفر الذنوب جميعا وهذا أيضا من أقبح الجهل فان الشرك داخل في هذه الآية فانه رأس الذنوب وأساسها ولا خلاف أن هذه الآية في حق التائبين فانه يغفر ذنب كل تائب أي ذنب كان ولو كانت الآية في حق غير التائبين لبطلت نصوص الوعيد كلها وأحاديث إخراج قوم من الموحدين من النار بالشفاعة وهذا إنما أوتي صاحبه من قلة علمه وفهمه فانه سبحانه ههنا عمم وأطلق فعلم أنه أراد التائبين وفي سورة النساء خصص وقيد فقال إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فاخبر الله سبحانه أنه لايغفر الشرك وأخبر أنه يغفر ما دونه ولو كان هذا في حق التائب لم يفرق بين الشرك وغيره وكاغترار بعض الجهال بقوله تعالى يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم فيقول كرمه وقد يقول بعضهم انه لقن المغتر حجته وهذا جهل قبيح وانما غره بربه الغرور وهو الشيطان ونفسه الأمارة بالسؤ وجهله وهواه وأني سبحانه بلفظ الكريم وهو السيد العظيم المطاع الذي لاينبغي الاغترار به ولا إهمال حقه فوضع هذا المغتر الغرور فى غير موضعه واغتر بمن لاينبغي الاغترار به وكاغترار بعضهم بقوله تعالى في النار لايصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وقوله أعدت للكافرين ولم يدر هذا المغتر ان قوله فأنذرتكم نارا تلظى هي النار مخصوصة من جملة دركات جهنم ولو كانت جميع جهنم فهو سبحانه لم يقل لايدخلها بل قال لايصلاها الا الاشقى ولا يلزم من عدم صليها عدم دخولها فان الصلى أخص من الدخول ونفي الاخص لا يستلزم نفى الأعم ثم هذا المغتر لو تأمل الآية التي بعدها لعلم أنه غير داخل فيها فلا يكون مضمونا له ان يجنبها وأما قوله في النار أعدت للكافرين فقد قال في الجنة أعدت للمتقين ولا ينافى إعداد النار للكافرين أن تدخلها الفساق والظلمة ولا ينافى إعداد الجنة للمتقين أن يدخلها من فى قلبه أدني مثقال ذرة من ايمان ولم يعمل خيرا قط وكأغترار بعضهم على صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة حتي يقول بعضهم يوم عاشوراء يكفر ذنوب العام كلها ويبقى صوم عرفة زيادة في الاجر ولم يدر هذا المغتران صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء وهي إنما تكفر ما بينهما اذا اجتنبت الكبائر فرمضان والجمعة الى الجمعة لايقويا على تكفير الصغائر الا مع انضمام ترك الكبائر اليها فيقوي مجموع الامرين على تكفير الصغائر فكيف يكفر صوم تطوع كل كبيرة عملها العبد وهو مصر عليها غير تائب منها هذا محال على أنه لايمتنع أن يكون صوم يوم عرفة ويوم عاشوراء يكفر لجميع ذنوب العام على عمومه ويكون من نصوص الوعد التي لها شروط وموانع ويكون إصراره على الكبائر مانعا من التكفير فاذا لم يصر على الكبائر تساعد الصوم وعدم الاصرار وتعاونا على عموم التكفير كما كان رمضان والصلوات الخمس مع اجتناب الكبائر متساعدين متعاونين على تكفير الصغائر مع أنه سبحانه قد قال إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم فعلم أن جعل الشىء سببا للتكفير لا يمنع أن يتساعد هو وسبب آخر على التكفير ويكون التكفير مع اجتماع السببين أقوى وأتم منه مع انفراد أحدهما وكلما قويت أسباب التكفير كان أقوي وأتم وأشمل وكاتكال بعضهم على قوله حاكيا عن ربه أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ماشاء يعني ما كان في ظنه فانا فاعله به ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الاحسان فان المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده ويقبل توبته وابما المسىء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فان وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه وهذا موجود فى الشاهد فان العبد الآبق المسي الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظن به ولا يجامع وحشة الاساءة إحسان الظن ابدا فان المسيء مستوحش بقدر إساءته وأحسن الناس ظنا بربه أطوعهم له كما قال الحسن البصري ان المؤمن أحسن الظن بربه فاحسن العمل وان الفاجر أساء الظن بربه فاساء العمل فكيف يكون يحسن الظن بربه من هو شارد عنه حال مرتحل في ساخطه ! وما يغضبه متعرض للعنته قد هان حقه وأمره عليه فاضاعه وهان نهيه عليه فارتكبه وأصر عليه وكيف يحسن الظن به من بارزه بالمحاربة وعادى اولياءه ووالى اعداءه وجحد صفات كما له وأساء الظن بما وصف به نفسه ووصفته به رسله وظن بجهله ان ظاهر ذلك ضلال وكفر وكيف يحسن الظن ببه من يظن أنه لا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى ولا يرضى ولا يغضب وقد قال الله في حق من شك في تعلق سمعه ببعض الجزئيات وهو السر من القول وذلكم ظنكم الذى ظننتم بربكم أراداكم فاصبحتم من الخاسرين فهؤلاء لما ظنوا أن الله سبحانه لا يعلم كثيرا مما يعملون كان هذا اساءة لظنهم بربهم فارداهم ذلك الظن وهذا شأن كل من جحد صفات كما له ونعوت جلاله ووصفه بما لا يليق به فاذا ظن هذا أنه يدخله الجنة كان هذا غرورا وخداعا من نفسه وتسويلا من الشيطان الاحسان ظن بربه فتأمل هذا الموضوع وتأمل شدة الحاجة اليه وكيف يجتمع في قلب العبد تيقنه بانه ملاقى الله وأن الله يسمع ويري مكانه ويعلم سره وعلانيته ولا يخفى عليه خافية من أمره وأنه موقوف بين يديه ومسئول عن كل ما عمل وهو مقيم على مساخطه مضيع لاوامره معطل لحقوقه وهو مع هذا يحسن الظن به وهل هذا الامن خدع النفوس وغرور الاماني وقد قال أبو أمامة بن سهل بن حليف دخلت أنا وعروة بن الزبير على عائشة رضي الله عنها فقالت لو رأيتما رسول الله في مرض له وكانت عندي ستة دنانير أو سبعة فأمرني رسول الله أن أفرقها قالت فشغلني وجع رسول الله حتي عافاه الله ثم سألني عنها فقال ما فعلت أكنت فرقت الستة الدنانير فقلت لا والله لقد شغلني وجعك قالت فدعا بها فوضعها في كفه فقال ما ظن نبى الله لو لقي الله وهذه عنده وفي لفظ ما ظن محمد بربه لو لقى الله وهذه عنده فيا لله ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بالله اذا لقوه ومظالم العباد عندهم فان كان ينفعهم قولهم حسنا ظنوننا بك لم يعذب ظالم ولا فاسق فليصنع العبد ما شاء وليرتكب كل ما نهاه الله عنه وليحسن ظنه بالله فان النار لا تمسه فسبحان الله ما يبلغ الغرور بالعبد وقد قال ابراهيم لقومه إفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين أي ما ظنكم أن يفعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه فان العبد إنما يحمله على حسن العمل ظنه بربه أن يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقلها منه فالذي حمله على العمل حسن الظن فكلما حسن ظنه حسن عمله والا فحسن الظن مع ابتاع الهوى عجز كما في الترمذي والمسند من حديث شداد ابن أوس عن النبي الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز معن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة وإما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتي احسان الظن فان قيل بل يتأتي ذلك ويكون مستند حسن الظن سعة مغفرة الله ورحمته وعفوه وجوده وان رحمته سبقت غضبه وانه لا تنفعه العقوبة ولا يضره العفو قيل الامر هكذا والله فوق ذلك وأجل وأكرم وأجود وأرحم ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به فانه سبحانه موصوف بالحكمة والعزة والانتقام وشدة البطش وعقوبة من يستحق العقوبة فلو كان معول حسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر والمؤمن والكافر ووليه وعدوه فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه وتعرض للعنته واوقع في محارمه وانتهك حرماته بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع وبدل السيئة بالحسنة واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة ثم أحسن الظن فهذا حسن ظن والاول غرور والله المستعان ولا تستبطل هذا الفصل فان الحاجة اليه شديدة لكل أحد ففرق بين حسن الظن بالله وبين الغرة به قال الله تعالى ان الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله فجعل هؤلاء أهل الرجا لا الظالمين والفاسقين وقال تعالى ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم فاخبر سبحانه أنه بعد هذه الأشياء غفور رحيم لمن فعلها فالعالم يضع الرجاء مواضعه والجاهل المغتر يضعه في غير مواضعه | |
|