هو حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري ، يكنى أبا الوليد وأبا الحسام وهو جاهلى إسلامى متقدم الإسلام.
وشاعرنا ينتمى إلى بيت سؤدد ومجد تليد ، فقد كان أبوه من سادة قومه ، وأشراف العرب ، وكان يقوم بالفصل بين المتحاربين ، وإتمام الصلح بين أصحاب الثارات ، وهى مهمة جليلة القدر ، عظيمة الشأن لا يقوم بها إلا أصحاب الهمم .
يحكى العلامة (محمد بن سلام الجمحى) قائلاً : "وكان أبوه ثابت بن المنذر بن حرام ، من سادة قومه وأشرافهم ، وهو الحاكم بين الأوس والخزرج فى يوم سميحة ، وهو يوم من أيامهم مشهور ، وكانوا حكموا فى دمائهم يومئذ (مالك بن العجلان بن سالم بن عوف) ، فتعدى([2]) فى مولى له قتل يومئذ ، وقال : لا آخذ فيه إلا دية الصريح([3]) ، فأبوا أن يرضوا بحكمه ، فحكموا (المنذر بن حرام) فحكم بأن هدر دماء قومه الخزرج ، واحتمل دماء الأوس ، فذكره حسان فى شعره حيث قوله :
وأبى فى سميحة القائل الفا
صل يوم التقت عليه الخصوم([4])
ولد حسان فى يثرب نحو عام (60 ق.هـ - 563م) ونشأ شاعراً يتكسب بالشعر وينتقل بين بلاط جلق ، وبلاط الحيرة ، حيث المناذرة والغساسنة ، وكان إلى الغساسنة أميل ، وقد مدح من آل جفنة الغساسنة أولاد الحارث الأعرج (توفى 53 ق.هـ = 569 م) وأحفاده ، واستمر الغساسنة فى بر حسان ووصله بالجوائز حتى بعد أن دخل فى الإسلام وأضرب عن مدحهم([5]).
ومن مدائحه فيهم قوله([6]) :
أولاد جفنة حول قبر أبيهم
قبر ابن مارية الكريم المفضل
يسقون من ورد البريص عليهم
بردى يصفق بالرحيق السلسل([7])
يغشون حتى ما تهرّ كلابهم
لا يسألون عن السواد المقبل([8])
وقد جعله محمد بن سلام الجمحى([9]) رائد طبقة شعراء القرى. وأبرزها طبقة شعراء المدينة وهم حسان بن ثابت وكعب بن مالك ، وعبد الله بن رواحة ، وقيس بن الخطيم ، وأبو قيس بن الأسلت.
أشعرهم حسان بن ثابت ، وهو كثير الشعر جيده ، وقد حمل عليه ما لم يحمل على أحد ، لما تعاهضت (تناهشت) قريش ، واستتبت وضعوا عليه أشعاراً كثيرة لا تنقى".
ويهاجر رسول الله (e) إلى المدينة ، فيدخل حسان فى الإسلام ، حتى إذا أخذ شعراء قريش فى هجاء الرسول وصحبه من المسلمين انبرى لهم بلاذع هجائه ، وكان رسول الله يحثه على ذلك بمثل قولة : "اللهم أيده بروح القدس" ، واستمع إلى بعض هجائه فقال : "لهذا أشد عليهم من وقع النبل" ... ولم يكن يهجو قريشا بالكفر وعبادة الأوثان ، إنما كان يهجوهم بالأيام التى هزموا فيها ، ويعيرهم بالمثالب والأنساب([10]).
بيد أنى : أود التوقف عند تهمة الصقت بحسان بن ثابت رضى الله عنه ألا وهى صفة الجبن.
فقد قال ابن قتيبة عنه : إنه لم يشهد مع النبى (e) مشهداً لأنه كان جباناً([11])" وتبعه عدد من النقاد فى عصرنا الحاضر. منهم الدكتور/ محمد أحمد سلامة حيث يقول : "وكان حسان فى غاية الجبن ، فكان يجلس فى الحصن مع النساء والصبيان ، وكان يدق وتداً فى الحصن يحمل عليه إذا حمل الرسول على العدو ، ويرجع عنه إذا رجع الرسول([12])"
وكذلك الدكتور/ عمر فروخ فى قوله : "غير أنه لم يشهد الغزوات مع الرسول لأنه كان جباناً([13])"
والدكتور/ على أحمد الخطيب فى قوله عن حسان : "إلا أنه لم يشهد مع النبى (e) مشهداً لأنه كان جبانا ، وعلى أنه كان مشهوراً بجبنه ، فلم يناصر الدين بسيفه ، وغنما نصره بلسانه([14])"
والحق أن الرجل لم يكن فى حقيقته وفى تكوينه النفسى والخلقى جبانا ، إنما كان من المصابين بعاهة فى يده ، منعته عن حمل السلاح ، فقد "كان أكحل حسان (عرق فى اليد) قد قطع ، فلم يكن يضرب بيده([15])"
ونحن مع الدكتور/ الصادق حبيب فى قوله : "ولذا لم ينكر عليه الرسول أو الصحابة قعوده وتخلفه عن القتال ، وما كان رسول الله يعذر متخلفاً قادراً ، فقد أنكر على كعب بن مالك تخلفه عن غزوة تبوك ، ودعا أصحابه إلى مقاطعته هو ومن تخلفا معه ، واستمرت المقاطعة خمسين يوماً ، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، وضاقت عليهم أنفسهم ، ثم تاب الله عليهم([16])" ولم يثبت أن عيره أحد بصفة الجبن ، وظل يدافع عن الإسلام خير دفاع ، وعاش حتى توفى سنة 54 للهجرة.