أحداث السنة الثامنة من الهجرة
معركة موَتة
بعد وقوع الاَحداث السابقة، واستقرار الاَمن في الحجاز بين المسلمين وقريش والاَطراف المعادية الاَُخرى، وضعف نفوذ اليهود وسطوتهم، فكّر النبي الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في أن يركز في دعوته على سكان مناطق الحدود عند الشام، فوجه لهذا الغرض «حارث بن عمير الاَزدي» يحمل كتاباً إلى أمير الغساسنة: الحارث بن أبي شمر الغساني، الذي حكم بصرى، فقبض على سفير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في موَتة وقتله مخالفاً بذلك كلّ الاَعراف الدولية التي تقضي باحترام السفراء وحصانتهم، ممّا أغضب الرسولوالمسلمين،فقرر الاقتصاص من قاتل سفيره.
وبالاِضافة إلى ذلك، فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد بعث في شهر ربيع الاَوّل من هذه السنة 15 رجلاً إلى منطقة ذات أطلاح من أرض الشام خلف وادي القرى، لدعوة الناس إلى الاِسلام، إلاّ أنّ الاَهالي قتلوهم عن آخرهم موَثرين عز الشهادة على ذل الاَسر، إلاّجريحاً منهم تمكن من الوصول إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليخبره بالحادث.
وقد أثر هذان الحادثان على الوضع السياسي بين الجانبين، فأمر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخروج إلى الجهاد في شهر جمادى، ووجه جيشاً قوامه 3 آلاف مقاتل لتأديب هوَلاء المخربين والغدرة، وعين القائد عليهم «جعفر بن أبي طالب» فإن قتل فزيد ابن حارثة، فإن أصيب، فعبد اللّه بن رواحة، فإن اصيب فليرتضي المسلمون بينهم رجلاً عليهم.
وقد خرج النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بنفسه مع جماعة من أصحابه مشيّعاً لهم وودّعهم قائلاً: «دفع اللّه عنكم وردكم سالمين غانمين صالحين».
ومن الموَكد أنّ القائد الاَوّل لهذا الجيش كان جعفراً ثمّزيداً فعبد اللّه، فلا مجال لتغيير الوضع الذي ذهب إليه بعض الرواة والمحدّثين، الذين اختلقوا ترتيباً آخر، بوضع زيد كقائد ثمّ جعفر كمعاون له ثمّ ابن رواحة، إذ أنّ وضع هذا الترتيب بهذا الشكل أُقرّ لدوافع سياسية وأغراض أُخرى لا مجال لذكرها هنا،وتبعهم في ذلك كتاب السيرة دون تمحيص وتحقيق.(1)
وفي الشام أعدّ الحاكم الحارث 100 ألف فارس لاِيقاف تقدّم المسلمين، كما أعدّ القيصر 100 ألف آخرين في البلقاء كقوّة احتياطيّة تتدخل عند اللزوم.(2)
ومن الواضح أنّه لم يكن هناك أيّتكافوَ بين الجيشين الاِسلامي والروماني، سواء في نوعية المعدات الحربية والاَجهزة القتالية أو وسائل النقل أو عدد الجنود، والاَرض وساحة المعركة الغريبة عن المسلمين، وقيامهم بدور الهجوم لا الدفاع الذي اتّخذه الروم ونفذوه في أرضهم وبلادهم.
وقد تواجه الجيشان في منطقة مشارف، ولكن المسلمين تراجعوا نحو موَتة، فبدأت المبارزات الفردية أوّلاً، فقُتل جعفر بعد مبارزة شجاعة، ثمّ قُتل زيد بن حارثة، وأيضاً ابن رواحة، فاختار الجنود خالد بن الوليد قائداً، فعمد إلى استخدام تكتيك عسكري لم يعرف من قبل، إذ أمر بالعسكر أن يحدث بعض التغييرات في صفوفه بالليل دون صوت، ويذهب عدد منهم إلى مكان بعيد ثمّ يلتحقوا بالمسلمين عند الصباح مكبرين، فيظن العدو بوصول إمدادات عسكرية بشرية جديدة إلى جانب المسلمين. ولذا تمكن المسلمون من مواجهتهم وقتالهم، وقتل أعداد كبيرة منهم، فهدأت الاَحوال، فرجع الجيش الاِسلامي مستفيداً من هذا التكتيك ونَجَوا بأنفسهم من خطر فناء ساحق وأكيد.(1)
إلاّ أنّ المسلمين في المدينة رفضوا منطق الانسحاب من المعركة وفضلوا الاستشهاد في ساحة المعارك على الانسحاب، فهم كانوا يعدون الموت والشهادة في سبيل اللّه أفضل من الانسحاب.
وقد تأثر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لشهادة جعفر وبكى بشدة، فكان كلّما تذكر جعفراً وزيداً بكى.(2)
غزوة ذات السلاسل
إنّ الاطّلاع المبكر على أسرار العدو العسكرية، ومعرفة حجم طاقاته ومبلغ استعداداته واكتشاف خططه، يعد من العوامل الجوهرية الموَثرة في الانتصار عليه. والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أوّل من ابتكر في تاريخ الاِسلام جهازاً خاصاً بهذا العمل في صورة منظمة، وتبعه الخلفاء من بعده، حين استعانوا بجواسيس وعيون للعمل في المجالات العسكرية والاِدارية.
واستطاع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة ذات السلاسل أن يطفىَ نار فتنة باستخدام معلومات دقيقة علمها عن العدو، قبل أن يخسر الكثير بغير ذلك. فقد علم من عناصر المخابرات الخاصة به (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ أعداداً كبيرة متحالفة تجمعوا في منطقة وادي اليابس هدفوا إلى التوجّه نحو المدينة للقضاء على قوّة الاِسلام والمسلمين، وقتل النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» والاِمام علي (عليه السلام) خاصة. فأمر الرسول بنداء «الصلاة جامعة» أي دعوة الناس إلى الاجتماع به (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال «صلى الله عليه وآله وسلم» : «يا أيّها الناس، إنّهذا هو عدو اللّه وعدوكم قد عمل على أن يبيِّتكم فمن لهم؟».
فخرجت جماعة بقيادة أبي بكر ساروا مسافة حتى واجهوا قبيلة بني سليم الذين قاوموا القوّة الاِسلامية، فقرر أبو بكر الانسحاب والرجوع من حيث أتى. إلاّ أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقبل بهذا الوضع، فانزعج لعودة الجيش بهذه الصورة المهينة، فأمر عمر بن الخطاب بتولّي القيادة، ولكنّه لم يحارب أيضاً لقوة العدو فانسحب أيضاً إلى المدينة. وطلب عمرو بن العاص من النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» أن يبعثه إلى هوَلاء الاَعداء على أساس أنّه من دهاة العرب، إلاّ أنّ بني سليم قاتلوه فهزموه وقتلوا عدداً من جماعته، فلم ييأس النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» ونظم جماعة جديدة واختار الاِمام علياً (عليه السلام) قائدها، فاستعد الاِمام (عليه السلام) وتعصب بعصابة كان يشدها على جبينه في اللحظات الصعبة، ولبس بردين يمانيين، وحمل رمحاً هندياً، ثمّ توجه نحو الهدف سالكاً طريقاً غير معروفة ولا مطروقة حتى يعمّي بذلك على العدو، فتمكن من الانتصار عليهم وذلك للاَسباب التالية:
1. لم يشعر العدو بتحركاته، وذلك لتغييره مسيره، واستخدامه أُسلوب الكتمان في ذلك ، إذ سار ليلاً وكمن نهاراً واستراح خلاله.
2. كما أنّه فاجأ العدو حين صعد بجنوده إلى قمة الجبال ثمّ انحدر بهم بسرعة فائقة إلى الوادي مركز إقامة بني سليم، فأحاطوا بهم وهم نيام، وحاصروهم وأسروا منهم، وفرّ آخرون.
3. ثمّ أنّ شجاعة الاِمام علي (عليه السلام) وبسالته النادرة أرعبت العدو، وأفقدته القدرة على المواجهة والمقاومة، حيث فرّوا من أمامه تاركين الغنائم وراءهم.
وبذا فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استقبله بحفاوة وقال له عندما نزل من فرسه:«إركب فإنّ اللّه ورسوله راضيان عنك».
وكانت تضحية الاِمام (عليه السلام) وشجاعته من الاَهمية بحيث نزلت فيها سورة العاديات كاملة:(وَالعادِياتِ ضَبْحاً* فَالمُورياتِ قَدحاً* فَالمُغِيراتِ صُبْحاً* فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً* فَوسَطْنَ بهِِ جَمْعاً) .(1)
وهناك عدد من الموَرّخين كالطبري، نقلوا هذه الواقعة بنحو آخر مختلف عمّا ذكرناه، فلا يبعد أن تكون ذات السلاسل اسماً لغزوتين، وقد نقل كلٌّ من الفريقين ـ السنّة والشيعة ـ واحدة منها وأعرض عن الاَُخرى لاَسباب خاصّة.(2)
فتح مكّة
أخلّت قريش باتفاقية الحديبية ونقضتها، حينما زودت قبيلة بني بكر بالاَسلحة، وهي من كنانة المتحالفة معها، وحرضتهم على أن يبيتوا لخزاعة المتحالفين مع المسلمين فيغيروا عليهم ليلاً ، يقتلون فريقاً ويأسرون آخرين. و أُبلغ النبيبما حدث لخزاعة على أيدي بني بكر، فوعدهم النصرة. ولكن قريشاً ندمت على فعلتها من تأليب بني بكر على خزاعة، واشتراكهم معها في العدوان، فأرسلوا زعيمهم أبا سفيان إلى المدينة لتطييب خاطر النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» وتسكين غضبه وتأكيد احترام قريش لمعاهدة الصلح، إلاّ أنّه عندما وصل إلى بيت ابنته أُمّ حبيبة زوجة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، لم يجد التقدير والاحترام المطلوب لديها على أساس أنّه مشرك نجس، فتوجه إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وكلّمه حول إمكانية تجديد العهد، فلم يرد عليه وهو ما يعني عدم اعتنائه به، فسار إلى بعض أصحابه يطلب منهم أن يشفعوا له عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وإقناعه بتجديد ميثاق الصلح، ولكن دون جدوى. فذهب إلى منزل الاِمام علي (عليه السلام) والسيدة فاطمة الزهراء«عليها السلام» فرد عليه الاِمام (عليه السلام) : «واللّه لقد عزم رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» على أمر ما نستطيع أن نكلّمه». فالتفت إلى السيدة الزهراء «عليها السلام» وهو يطلب شفاعتها أو شفاعة الحسنين لدى النبي ص: يا ابنة محمد، هل لك أن تأمري و بُنَيّك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ فقالت(عليها السلام) وهي تعلم بنواياه الشريرة:« ذلك إلى رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» وإنّهما صبيان وليس مثلهما يجير».(1) فطلب النصيحة من الاِمام (عليه السلام) فقال له: «ما أجد لك شيئاً أمثل من أن تقوم فتجير بين الناس ـ أي تعطي الاَمان للمسلمين ـ ثمّ إلحق بأرضك». فأدّى ما طلبه منه، ورجع إلى مكّة وأخبر سادة قريش بما صنع، فاجتمعوا للتشاور فيما يطفىَ غضب المسلمين ويثني الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن عزمه.(2)
أمّا النبيّ الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أعلن التعبئة العامة بهدف فتح مكة، وتحطيم أقوى قلعة من قلاع الوثنية، وإزالة حكومة قريش الظالمة، التي كانت أقوى الموانع والعقبات في طريق تقدم الدعوة الاِسلامية وانتشار الاِسلام.
وطلب من اللّه سبحانه و تعالى في دعائه أن يعمي عيون قريش وجواسيسهم كيلا يعلموا بحركة المسلمين وهدفهم: «اللّهم خُذ على قريش أبصارهم فلا يروني إلاّبغتةً ولا يسمعون بي إلاّ فجأة».(3)
واجتمع في مطلع شهر رمضان الكثيرون، فقد شاركت قبائل وطوائف مختلفة في هذا الفتح العظيم، اشتهر منهم:
ـ المهاجرون: 700+3 ألوية إضافة إلى 300 من الخيل.
ـ الاَنصار: 4000+ألوية كثيرة إضافة إلى 700 من الخيل.
ـ قبيلة مزينة: ألف مع مائة فرس، ولواءان.
ـ قبيلة جهينة: 800 مع خمسين فرساً و 4 ألوية.
ـ قبيلة بني كعب: 500 مع ثلاثة ألوية.
هذا بالاِضافة إلى اشتراك عدد آخر من قبائل غفار وأشجع وبني سليم.(1)
ويذكر ابن هشام، أنّ جميع من شهد فتح مكّة من المسلمين بلغوا عشرة آلاف، من بني سليم 700، ويقول بعضهم ألف، ومن بني غفار400، ومن أسلم 400، ومن مزينة ألف و300 نفر، وسائرهم من قريش والاَنصار وحلفائهم وطوائف العرب من تميم وقيس وأسد.(2)
إلاّ أنّ أخبار هذه الحملة الكبيرة وصلت إلى قريش، فقد أخبر جبرائيل (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ أحد المسلمين أرسل كتاباً إلى قريش يخبرهم فيه بتوجههم إلى مكة، وأنّ امرأة تدعى «سارة» وهي مغنية، تريد توصيل الكتاب لهم لقاء حصولها على مال. وقد ساعد النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» و المسلمون هذه المغنية من قبل، عندما تركت عملها في مكة واتجهت إلى المدينة، ورغم ذلك فإنّها خانتهم بعملها جاسوسة تعمل لصالح قريش. ممّا جعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يطلب من الاِمام علي (عليه السلام) والمقداد و الزبير أن يلحقوا بها ويدركوها ويصادروا منها الكتاب. وتمكّنوا من اللحاق بها عند روضة الخاخ ـ الخليقة ـ إلاّ أنّها أنكرت وجود كتاب لديها في رحلها، فهددها الاِمام (عليه السلام) : لتخرجنّ لنا هذا الكتاب أو لنكشفنّك. فاستخرجت الكتاب.(3)
وهكذا أعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للحركة الكبرى، دون أن يعلم أحد وجهته على وجه التحديد، وكان ذلك في يوم 10 رمضان. وفي الطريق أفطر على الماء وأمر جنده بالاقتداء به: «إنّكم مصبحوا عدوكم،والفطر أقوى لكم». إلاّ أنّ البعض منهم أمسك عن الاِفطار ظناً منهم أنّ الجهاد أفضل في حالة الصوم، فغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك و قال عنهم: «أُولئك العصاة».(1)
وفي هذا الوقت، خرج العباس بن عبد المطلب من مكة متوجهاً إلى المدينة ليلتحق بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خلال الطريق، فهو سيوَدي دوراً بارزاً هاماً في عملية الفتح العظيم. كما التحق به عدوّان له أحجما عن الاِيمان برسول اللّه والاستجابة لدعوته و هما: أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد اللّه بن أبي أُمية بن المغيرة، فقد كانا من أشدّ المعارضين للرسول «صلى الله عليه وآله وسلم» والموَذين له، بالرغم من أنّ أبا سفيان هذا كان ابن عمّ الرسول ص وأخاه من الرضاعة، وعبد اللّه هو أخو أُمّ سلمة ابنةعاتكة عمّة الرسول «صلى الله عليه وآله وسلم» . وحاولا مقابلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ أنّه لم يأذن لهما، ولم تنفع الوسائط في ذلك، إلاّما ذكره لهما الاِمام علي (عليه السلام) ، بأن يقولا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( قالُوا تاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا وَإنْ كُنّا لخاطِئين)(2) فسوف يعفو عنهما كما فعل يوسف (عليه السلام) مع إخوته.وقد حدث ما اقترحه الاِمام (عليه السلام) فقبل إسلامهما.
وحينما وصل الجيش الاِسلامي إلى مشارف مكّة، عمد النبي ص إلى إرعاب أهلها وتخويفهم بإشعال النيران فوق الجبال والتلال، وزيادة في التخويف وإظهار القوة، أمر بأن يشعل كلّفرد منهم ناراً في شريط طويل على الاَرض.
وهنا اتّجه «العباس بن عبد المطلب» ليوَدّي دوره العملي لصالح الطرفين،
فيقنع قريشاً بالتسليم وعدم المقاومة، إذ أخبرهم بقوّة المسلمين وعددهم ومحاصرتهم لمكّة المكرمة، واصطحب معه أبا سفيان حتى يطلب له الاَمان و لهم كذلك من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فأجاره عند الوصول إلى معسكر المسلمين، خاصة عندما حاول «عمر بن الخطاب» أن يقضى عليه ـ أي يقتل أبا سفيان ـ كما أنّه حاول إعادة قتله أمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أساس أنّه عدو للّه فلابدّأن يقتل.
وتحدث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خيمته مع أبي سفيان قائلاً: «ألم يأن لك أن تعلم أنّه لاإله إلاّاللّه؟» فقال أبو سفيان: بأبي أنت و أُمّي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، واللّه لقد ظننت أن لو كان مع اللّه إله غيره، لقد أغنى عني شيئاً بعد. فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ألم يأن لك أن تعلم أنّي رسول اللّه؟ »فقال: أما واللّه فإنّ في النفس منها حتى الآن شيئاً. فغضب العباس من عناده و قال: أسلم واشهد ألاّ إله إلاّاللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه قبل أن يُضرب عنقك. فشهد شهادة الحقّ وأسلم ودخل في عداد المسلمين. فارتفع بذلك أكبر سد، وانزاح أكبر مانع من طريق الدعوة الاِسلامية. ومع ذلك فقد أمر النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» العباس بحبسه لاَنّه لم يأمن جانبه بعد، قبل أن يتم فتح مكّة: «يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل ـ أي أنفه ـ حتى تمر به جنود اللّه فيراها». فطلب العباس من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً. فاستجاب له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال:
«من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن،ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن طرح السلاح فهو آمن». وذلك بالرغم من أخلاق أبي سفيان المنحدرة وأعماله السيئة تجاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين، طيلة السنوات الماضية».
وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد عزم على أن يفتح مكة دون إراقة دماء وإزهاق أرواح وتسليم العدو دون شروط. وقد تم ذلك نتيجة التخطيط السليم،وتحييد موقف أبي سفيان العدائي وهوقائد قريش،ولما كانت القطع العسكرية الاِسلامية تمر من أمام أبي سفيان، كان العباس يوضح له اسمها وخصوصياتها، فمرت كتيبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال للعباس: ما لاَحد بهوَلاء قبل ولا طاقة يا أبا الفضل، واللّه لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيماً. فرد عليه العباس موبخاً: ويحك يا أبا سفيان، ليس بملك، إنّها النبوة.
وحينئذٍ أطلق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا سفيان ليرجع إلى مكّة فيخبرهم بما رأى من قوّة الجيش الاِسلامي، ويحذرهم من مغبة المواجهة والمقاومة، والتسليم للاَمر الواقع بإلقاء السلاح والاستسلام دون قيد أو شرط. فصاح في أهل مكّة: يا معشر قريش، هذا محمّد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، أو قال: هذا محمّد في عشرة آلاف، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، و من ألقى السلاح فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن،ومن أغلق بابه فهو آمن.
وأضاف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ذلك: و من دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن. وهو موقع خامس عينه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للتأمين من القتل.
وأدّى كلّ ذلك إلى إضعاف نفوس أهل مكّة، حتى القياديين الاَعداء، ركنوا إلى المطالبة بالتسليم دون مقاومة.
وبالرغم من أنّالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أمر جنوده بعدم بدء القتال، فلا يقاتلوا إلاّمن قاتلهم، إلاّ أنّه أمر بقتل عشرة من الاَفراد وإن وجدوا تحت أستار الكعبة وهم:
1. عكرمة بن أبي جهل
2. هبار بن الاَسود
3.عبد اللّه بن أبي السرح
4. قيس بن حبابة الكندي
5. الحويرث بن نقيند
6. صفوان بن أمية
7. وحشي بن حرب، قاتل حمزة
8. عبد اللّه بن الزبعرى
9. حارث بن طلالة
10. عبد اللّه بن خطل
وأربعة نساء.(1)
وكان كلّواحد من هوَلاء إمّا قتل أحداً، أو ارتكب جناية أو شارك في موَامرة أوحرب ضدّ الاِسلام والمسلمين.
وفي دخول مكّة أخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحيطة والحذر، ففرّق الجنود، على أن يدخلوها من أسفلها، وآخرون يتخذون طريقاً من أعلاها، وأعداداً أُخرى تدخل من جميع المداخل والطرق الموَدية إلى داخل مكّة، فدخلت الفرق كلّها مكّة دون قتال، إلاّ ما حدث مع جبهة خالد بن الوليد، الذي قابلته مقاومة صغيرة تمكن من السيطرة على الوضع بعد هروب المعتدين.
أمّا النبي الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد دخل مكة من ناحية أذاخر وهي أعلى نقطة في مكّة، فضربت له قبة من أدم بالحجون ـ عند قبر عمّه العظيم أبي طالب ـ ليستريح فيها، فقد أبى أن ينزل في بيت من بيوتها. واغتسل بعد الاستراحة، فركب راحلته القصواء متوجهاً إلى المسجد الحرام لزيارة بيت اللّه المعظم والطواف به على راحلته، حيث لم يترجل،وكبّـر فكبّـر المسلمون، حتى 4. قيس بن حبابة الكندي
5. الحويرث بن نقيند
6. صفوان بن أمية
7. وحشي بن حرب، قاتل حمزة
8. عبد اللّه بن الزبعرى
9. حارث بن طلالة
10. عبد اللّه بن خطل
وأربعة نساء.(1)
وكان كلّواحد من هوَلاء إمّا قتل أحداً، أو ارتكب جناية أو شارك في موَامرة أوحرب ضدّ الاِسلام والمسلمين.