بسملة القرآن
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

بسملة القرآن

دين ودنيا
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الرسول الاَكرم...محمد بن عبد اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ج13

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Ridona
مشرف
Ridona


المساهمات : 223
تاريخ التسجيل : 25/07/2008
العمر : 38
الموقع : www.ha22.com

الرسول الاَكرم...محمد بن عبد اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ج13 Empty
مُساهمةموضوع: الرسول الاَكرم...محمد بن عبد اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ج13   الرسول الاَكرم...محمد بن عبد اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ج13 Emptyالأربعاء 13 أغسطس 2008 - 17:40

تابع...
وفي دخول مكّة أخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحيطة والحذر، ففرّق الجنود، على أن يدخلوها من أسفلها، وآخرون يتخذون طريقاً من أعلاها، وأعداداً أُخرى تدخل من جميع المداخل والطرق الموَدية إلى داخل مكّة، فدخلت الفرق كلّها مكّة دون قتال، إلاّ ما حدث مع جبهة خالد بن الوليد، الذي قابلته مقاومة صغيرة تمكن من السيطرة على الوضع بعد هروب المعتدين.
أمّا النبي الاَكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد دخل مكة من ناحية أذاخر وهي أعلى نقطة في مكّة، فضربت له قبة من أدم بالحجون ـ عند قبر عمّه العظيم أبي طالب ـ ليستريح فيها، فقد أبى أن ينزل في بيت من بيوتها. واغتسل بعد الاستراحة، فركب راحلته القصواء متوجهاً إلى المسجد الحرام لزيارة بيت اللّه المعظم والطواف به على راحلته، حيث لم يترجل،وكبّـر فكبّـر المسلمون، حتى ارتجت مكة لدويّصوتهم، فسمعه المشركون الذين تفرّقوا في الجبال ينظرون المشهد المثير. وحينما كان يمر على أي صنم من أصنام المشركين، يقول و هو يشير بقضيب في يده: ( جاءَ الحقُّ وزَهَقَ الباطِلُ إنَّ الباطِلَ كانَ زَهُوقاً)(1) فيقع الصنم لوجهه، ثمّأمر بتحطيم أكبر الاَصنام على مرأى من المشركين.
وبعد أخذ استراحة، طلب من عثمان بن طلحة أن يأتيه بمفتاح الكعبة، فقد كان هو سادن الكعبة، حيث كانت السدانة تتوارث جيلاً بعد جيل. وفتح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باب الكعبة و دخل البيت، و دخل بعده، أُسامة بن زيد، و بلال وعثمان. ثمّأمر (صلى الله عليه وآله وسلم) بإغلاق الباب، الذي قام خالد بن الوليد بحراسته ومنع الناس عنه.
ولمّا كانت جدران الكعبة من الداخل مغطاة بصور الاَنبياء والملائكة وغيرهم، فإنّ النبيص أمر بمحوها جميعاً وغسلها بماء زمزم.
وقد اشترك الاِمام علي (عليه السلام) في كسر بعض الاَصنام الموضوعة في الكعبة، وحاول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصعد على كتفيه، إلاّأنّ ضعف الاِمام (عليه السلام) لم يساعده في ذلك، فطلب منه النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» أن يصعد ـ عليٌ ـ على كتفه قائلاً: «يا عليّاصعد على منكبي»، فصعد على منكبه، فألقى صنم قريش الاَكبر وأصنام أُخرى محطمة إلى الاَرض.(2) ثمّ وقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على باب الكعبة وقال: «الحمد للّه الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الاَحزاب وحده». ثمّ اتجه إلى الناس الذين يشاهدون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يكسر الاَصنام ويحمد اللّه، فسألهم:
«ماذا تقولون وماذا تظنون؟» فقالوا: نقول خيراً ونظن خيراً. أخ كريم وابن أخ كريم، وقد قدرت. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «فإنّي أقول لكم كما قال أخي يوسف: (قالَ لا تَثْريبَ عَلَيْكُمُ اليَومَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمين)(1).
وبهذا أعلن (صلى الله عليه وآله وسلم) العفو العام والشامل عن أهل مكة بقوله: «ألا لبئس جيران النبي كنتم،لقد كذّبتم،وطردتم وأخرجتم وآذيتم ثمّ ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلونني، اذهبوا فأنتم الطلقاء».(2)
وكان الوقت ظهراً فحان وقت الصلاة ، فصعد بلال سطح الكعبة ورفع نداء التوحيد و الرسالة ـ الاَذان ـ وبعدها ردّمفتاح الكعبة على عثمان بن طلحةو قال له:
«هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم برّ ووفاء». فالنبي «صلى الله عليه وآله وسلم» هو أوّل من يلتزم بالتعليم الاِلهي في أداء الاَمانة إلى أهلها، فيعيد مثل تلك الاَمانة الكبرى إلى صاحبها. ثمّ ألغى جميع مناصب الكعبة السائدة في الجاهلية، إلاّ ما كان نافعاً للناس، كالسدانة، والحجابة ـ و هي القيام بشوَون أستار الكعبة ـ و سقاية الحجيج.(3)
وفي حديث له (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أقاربه، في اجتماع ضم بني هاشم و بني عبد المطلب، أوضح لهم أنّ صلة القربى التي تربطهم به «صلى الله عليه وآله وسلم» لا تبرر لاَحد منهم أن يتجاهل قوانين الحكومة الاِسلامية، فيتخذ من انتسابه إلى زعيمها ذريعةوغطاء لارتكاب ما لا يحل للآخرين.
وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا قد شجب كلّ تمييز وتفضيل غير صحيح وسليم، داعياً إلى لزوم العدل ومراعاة المساواة بين جميع الطبقات: «يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب، إنّي رسول اللّه إليكم وإنّي شفيق عليكم، لا تقولوا أنّمحمّداً منّا، فواللّه ما أوليائي منكم ولا من غيركم إلاّ المتّقون، فلا أعرفكم تأتوني يوم القيامة تحملون الدنيا على رقابكم، ويأتي الناس يحملون الآخرة. ألا وإنّي قد أعذرت فيما بيني و بينكم وفيما بين اللّه عزّوجلّ وبينكم، وإنّ لي عملي ولكم عملكم».(1)
ثمّ دعا إلى اجتماع تاريخي كبير عند بيت اللّه الحرام، حضره حشد كبير من أهالي مكة، وألقى فيهم خطاباً تاريخياً عالج الاَمراض الاجتماعية الخاصة بالمجتمع العربي في ذلك العصر وحتى عصرنا الحالي، ومن أهمّما ورد وتناوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الخطاب:
1. التفاخر بالنسب: فقد كان من الاَمراض المستحكمة في البيئة العربية الجاهلية، إذ كان من أكبر أمجاد المرء أن ينتسب إلى قبيلة معروفة، أو يتفرع نسبه عن عشيرة بارزة كقريش مثلاً. فأبطل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطابه هذه العادة السيئة بقوله: «أيّها الناس إنّ اللّه قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها، ألا إنّكم من آدم و آدم من طين».
وبذا فإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) صنّف الشخصية بالتقوى و الورع: «ألا إنّ خير عباد اللّه عبد اتقاه» فأعطى الفضيلة والمنزلة لاَهل التقوى والورع خاصة.
2. التفاضل بالقومية العربية: فقد اعتبروا الانتساب إلى العرق العربي مفخرة، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ العربية ليست بأب والد، ولكنّه لسان ناطق، فمن قصر عمله لم يبلغ به حسبه».
3. المساواة بين أفراد البشر: فقد دعا إلى دعم المساواة بين الاَفراد والجماعات: «إنّ الناس من آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط، لا فضل للعربي على العجمي، ولا للاَحمر على الاَسود، إلاّ بالتقوى». وبذلك ألغى التمييز العنصري موَسساً بذلك ميثاق حقوق الاِنسان قبل أيّ جهة عالمية.
4. الاَحقاد والحروب الطويلة : إذ أنّالحروب المتلاحقة بين القبائل العربية أدت إلى نشأة الحقد و الضغينة، فلم يجد طريقاً للقضاء عليها إلاّبالطلب من الناس أن يتنازلوا عمّا لهم من دماء في أعناق الآخرين، سفكت في عهد الجاهلية، فتعتبر ملفات العهد القديم باطلة. وقال في ذلك«ألا إنّ كلّمال ومأثرة ودم في الجاهلية تحت قدمي هاتين».
5. الاَُخوة الاِسلامية: حيث دعا إلى اتّحاد المسلمين ووحدة كلمتهم وحقّالمسلم على أخيه المسلم، فهو من أهمّ مميزات الدين الاِسلامي، وهو بهذا يرغّب غير المسلم في اعتناق الاِسلام إذا سمع ورأى مثل هذه الحقوق والعلاقات المتبادلة بين المسلمين:«المسلم أخو المسلم، و المسلمون إخوة، وهم يد واحدة على من سواهم، تتكافوَ دماوَهم ليسعى بذمّتهم أدناهم».(1)
وبعد ذلك تفرّغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للحكم على بعض المجرمين والموَذين،حيث كان هناك عدد من المجرمين المكيّين، كان لابدّ من عقابهم على ما فعلوا من أعمال سيئة، وذلك بالرغم من إصدار العفو العام، وقد طارد الاِمام علي (عليه السلام) اثنين منهم لجآ إلى بيت أُمّ هانىَ أُخت الاِمام (عليه السلام) التي أجارتهما،ولكن الاِمام (عليه السلام) طلب منها أن يعلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمانها ليعطي رأيه في جوارها وأمانها كمرأة، فقبل (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك و قال: «قد أجرنا من آجرت، وأمّنا من أمّنت، فلا يقتلهما».(2)
وهو بهذا وضع قاعدة تقبل جوار المرأة وأمانها. كما أنّعبد اللّه بن أبي السرح الذي ارتدّعن الاِسلام وأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقتله،نجا من القتل بشفاعة عثمان بن عفان له. وكذلك عكرمة بن أبي جهل الذي فرّ إلى اليمن، وتشفّعت فيه زوجته، فنجا من القتل. كما أمّن أيضاً كبير المجرمين صفوان بن أُمية حينما طلب «عمير بن وهب»من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعفو عنه، فأمهله أربعة أشهر ليعلن إسلامه بعد التفكير.
وكذلك وضع (صلى الله عليه وآله وسلم) قاعدة مبايعة النساء له (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقد بايعته المرأة للمرّة الاَُولى في بيعة العقبة بهذه الكيفية: [حيث أمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بإحضار قدح ماء، ثمّألقى في الماء شيئاً من الطيب والعطر فأدخل يده فيه،وتلا الآية التي وردت فيها الاَُمور المذكورة، ثمّ نهض من مكانه و قال لهن: من أرادت أن تبايع فلتدخل يدها في القدح، فإنّي لا أصافح النساء].(1) وقد أجرى البيعة بهذا الاَسلوب، لوجود عدد كبير من النساء الفاسدات بينهن، فكان لابدّمن ذلك حتى لا تستأنف إحداهن عملهن القبيح بعد ذلك في السرّ.

هدم بيوت الاَصنام

وللقيام بهذه المهمة الضرورية، أرسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرقاً عسكرية إلى ضواحي مكة وداخلها وفي بيوتها لهدم الاَصنام المتواجدة فيها، كما أعلن (صلى الله عليه وآله وسلم) : «من كان في بيته صنم فليكسره». و أرسل خالد بن الوليد إلى تهامة لدعوة قبيلة جذيمة بن عامر وهدم أصنامهم، ونهاه النبيعن القتل أو إراقة الدماء. إلاّأنّه لما كانت هذه القبيلة قد قتلت أيّام الجاهلية عمّ خالد ووالد عبد الرحمن بن عوف، فإنّه حقد عليهم، وأمر بقتل عدد منهم، الاَمر الذي أغضب النبيعندما علم بذلك، فأرسل مالاً كثيراً مع الاِمام علي (عليه السلام) ليدفع دية هوَلاء المقتولين وقال: «اللهمّإنّي أبرأ ممّا صنع خالد بن الوليد».(1) وارتاح بعد ذلك لما أقدم عليه الاِمام علي (عليه السلام) من معاملة طيبة لاَهالي المنكوبين و قال: «واللّه ما يسرني يا عليّأنّ لي بما صنعت حمر النعم، أرضيتني رضي اللّه عنك، أنت هادي أُمّتي».(2)

معركة حنين

وبعد أن استقر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة مدّة خمسة عشر يوماً، غادرها إلى أرض قبيلة هوازن و ثقيف، بعد أن عيّن معاذ بن جبل ليُعلّم الناس القرآن وأحكام الاِسلام، وعتاب بن أسيد لاِدارة الاَُمور والصلاة بالناس جماعة في مكة المكرمة.
وقد بلغ الجيش الذي سار به إلى هوازن: 12 ألف مسلحاً، إذ شاركه هذه المرة ألفان من شباب قريش الذين أسلموا بعد الفتح بقيادة أبي سفيان.(3) إلاّ أنّ كلّ ذلك العدد الكبير لم يساعد في النجاح والانتصار كما ذكر القرآن الكريم: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَواطِنَ كَثيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَينٍ إِذْأَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الاََرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرين) (4) وقد برز من طرف العدو: مالك بن عوف النصري الذي عرف بالفروسية والشجاعة، كما أنّه أدار الاتّصالات المكثفة بين هوازن وثقيف، لاِخراج خدعة عسكرية توجه منها ضربة إلى جيش الاِسلام، فقد اقترح بوضع الاَطفال والنساء والاَموال وراء ظهور الرجال حتى يضطروا إلى أن يقاتلوا عنهم، كما أرسلوا الجواسيس ورجال مخابراتهم للتجسس على المسلمين، مثلما بعث النبيرجاله إلى ديار الاَعداء.
وحسب الوضع والموقع، قرّر مالك بن عوف أن يخفى الجنود خلف الصخور وفوق الجبال ليباغتوا المسلمين في الوادي، الذي دخلته أوّل كتيبة، من بني سليم بقيادة خالد بن الوليد فبادرهم العدو و أخذ يرشقهم بالاحجار والنبال ويضربونهم بالسيوف، فوقعوا فيهم ضرباً وقتلاً، ممّا أدّى إلى إصابة المسلمين بالفوضى وبلبلة الموقف وخلخلة الصفوف فالفرار، الاَمر الذي جعل النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» يأمر العباس بن عبد المطلب بأن ينادي على هوَلاء الفارّين والهاربين ويرجعهم، فبلغت صرخاته مسامعهم فثارت حميتهم ونادوا: لبيك لبيك. وبذا فقد تمكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من تنظيم صفوف جيشه من جديد، وحملا حملة رجلٍ واحدٍ على العدو لغسل ما لحق بهم من عار الفرار، وتمكّنوا من النيل منهم وإجبارهم على الانسحاب من الموقع والفرار من أمامهم وذلك بتشجيع وحماس من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب». ممّا كان الاَثر الفعال في إلقاء الهزيمة المنكرة بقبيلة هوازن، تاركين وراءهم أموالهم ونساءهم وصبيانهم الذين كانوا قد وضعوهم خلف ظهورهم حسب أوامر وخطة قائدهم.
أمّا النتيجة النهائية للمعركة، فكانت شهادة ثمانية أفراد من المسلمين، وأسر ستة آلاف من العدو، وغنائم كثيرة من الحيوان وأربعة آلاف أوقية فضة.(1)
وأعطى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوامره بإرسال الغنائم والاَسرى إلى الجعرانة ـ بين مكة والطائف ـ و بلغ من حنق المسلمين على المشركين في هذه المعركة، أن قتلوا الرجال وذرّيتهم، فلمّا بلغ ذلك النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» قال: «ألا لا تُقتَل الذرية». وعندما قيل له: إنّما هم أولاد مشركين. قال «صلى الله عليه وآله وسلم» : «أو ليس خياركم أولاد المشركين؟ كلّ نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، وأبواها يهوّدانها أو ينصّرانها».(1)

غزوة الطائف

سكنت قبيلة ثقيف، واشتركوا مع هوازن في قتال المسلمين، وهربوا بعد المعركة السابقة إلى الطائف متحصنين في قلاعها وحصونها، فأمر النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بالاِعداد لمطاردتهم وملاحقتهم حتى ديارهم. فأرسل فريقاً عسكرياً بقيادة أبي موسى الاَشعري لملاحقتهم في أوطاس، فأحرز انتصاراً كبيراً على العدو. وأمّا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد توجه بجيشه إلى الطائف، حيث هدم حصن مالك بن عوف في طريقه، وسواه بالاَرض، حتى لا يستغله العدو فيما بعد.
واشتهرت حصون الطائف وقلاعها بالمنعة وارتفاع الجدران، فتمكنوا من ردّ المسلمين عن طريق حذفهم ورميهم، الذي أدّى إلى تراجعهم. فاقترح سلمان الفارسي أن يرمى الحصن بالمنجنيق ـ الّذي يأخذ دور الدبابة في الحروب الحديثة ـ فبدأوا برمي الحصون وأبراجها بالحجارة طوال عشرين يوماً، ممّا أصاب عدداً من المسلمين في هذه الاَعمال.(2)
وممّا يذكر أنّ سلمان الفارسي هو الذي صنع جهاز المنجنيق، وعلّم المسلمين كيفية استخدامه، بينما يرى آخرون أنّ المسلمين حصلوا على هذا السلاح من يهود خيبر، وأنّ سلمان ربما أدخل عليه تحسينات إضافة أنّه علم المسلمين أسلوب استعماله.
كما أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد حصل على بعض الآليات الحربية من خلال ما ترك في حروبه لقبيلة دوس التي استخدمتها في معاركها ضدّالمسلمين، فاستفاد منها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزو الطائف.
إلاّ أنّ نتائج تلك العمليات والآليات لم تأت بنتيجة حاسمة، فاتجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جانب آخر قد يكون أكبر قوّة وأثراً من الجانب العسكري، وهو الناحية النفسية والاقتصادية. إذ أنّ أرض الطائف كانت زراعية، ذات نخل وأعناب، ممّا فكر به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لتهديدهم وتخويفهم لاَنّه سيعمد إلى قطع الاَعناب وإفناء المزارع، إذ استمر المعتصمون بالحصون في المقاومة. وعندما لم يرضخوا للتهديد، نفذ المسلمون عملياً أوامر النبي ص بالقطع والحرق والاِتلاف، ممّا أزعج الاَهالي وطلبوا من النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» أن يأمر رجاله بالكف عن ذلك، فتركوا العمل بهذا التكتيك. وقام بمحاولة أخيرة للتخلص منهم، فنادى: أي عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر. فنزل عدد منهم ملتحقاً بالمسلمين، وعرف منهم الرسول «صلى الله عليه وآله وسلم» بعض الاَخبار المرتبطة بالحصن، وأنّه لا نية لهم للاستسلام، و لديهم الاستعداد للمقاومة حتى لو طال الحصار عاماً واحداً، فلن يقعوا في أزمة أو ضيق بسبب طول الحصار. ولذا فإنّ الجيش الاِسلامي رأى أنّه من الاَصلح الرجوع عن ساحة القتال، وذلك للاَسباب التالية:
1.مقتل عدد من المسلمين، من قريش والاَنصار، كما أنّ شهر شوال كان قد انتهى وبدأ شهر ذي القعدة وهو من الاَشهر الحرم، وللحفاظ على هذه السُّنّة، فقد رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينهي الحصار في أقرب وقت.
2. كما أنّ موسم الحجّ كان قد اقترب، وخاصة أنّ إدارة الموسم ومناسكه أصبحت في يد المسلمين الآن، وليس بيد المشركين كما في السابق.
ولكلّ ذلك ترك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الطائف متوجهاً إلى الجعرانة حيث حفظت الغنائم والاَسرى، فاستقر فيها 13 يوماً وزع فيها الغنائم بأسلوب جدير بالدراسة والتأمل: فقد أخلى سبيل بعض الاَسرى، وخطط لاِخضاع وإسلام مالك بن عوف قائد المعارك ضدّ المسلمين، وكان من بين المشركين مع هوازن، قبيلة بني سعد التي أرضعت إحدى نسائها ـ حليمة السعدية ـ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكبر بينهم وعاش معهم خمس سنوات، ولذا فإنّ جماعة مسلمة منهم قدمت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يطلبون سراح الاَسرى من هذه القبيلة، وذكّروه بكلّ حياته بينهم في تلك السنوات. فردّ عليهم النبيص محسناً إليهم بأكثر ممّا قدموا، وتنازل عن نصيبه في الاَسرى، فتبعه المهاجرون والاَنصار و الآخرون، فارجعوهم إلى ذويهم. كما أنّ النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» دعا أُخته شيماء وبسط لها رداءه ورحب بها، ودمعت عيناه، وسألها عن أُمّه وأبيه من الرضاعة، فأخبرته بموتهما، فقال: إن أحببت فأقيمي عندنا محببة مكرمة، وإن أحببت أن أُمتعك وترجعي إلى قومك فعلت. فاختارت الرجوع إلى أهلها بعد أن أسلمت طوعاً ورغبة، ومنحها ثلاثة عبيد وجارية.(1)
وقد أدّت معاملات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه، وإطلاق الاَسرى إلى رغبة هوازن في الاِسلام، فأسلموا من قلوبهم، ففقدت الطائف آخر حليف لها.
أمّا بالنسبة لمالك بن عوف فقد رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرصة طيبة للسيطرة عليه، وهو رئيس المتمردين، فقال لوفد بني سعد: أخبروا مالكاً إنّه إن أتاني مسلماً رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الاِبل. وعندما بلغه ذلك، وعلم بقوّة الاِسلام وأخلاق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعظمته، قرر الالتحاق بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج من الطائف لاِدراك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة أو الجعرانة، حين ردّ عليه ماله وأهله وأعطاه الاِبل، فأسلم وحسن إسلامه، وجعله قائداً على من أسلم من قومه حارب بهم ثقيف.
وأمّا الغنائم، فقد قسمها بين المسلمين، ووزع الخمس الّذي هو حقّه الخاص، بين أشراف قريش حديثي العهد بالاِسلام ليتألّفهم، مثل: أبي سفيان ومعاوية ابنه، وحكيم بن حزام، والحارث بن هشام و سهيل بن عمرو، وحويطب ابن عبد العزى، والعلاء بن جارية، وصفوان بن أمية، وغيرهم ممّن كانوا أعداءه بالاَمس القريب، لكلّ واحد منهم مائة بعير.(1) وهذا الفريق يصطلح عليه في الفقه الاِسلامي: الموَلّفة قلوبهم. وهم يشكّلون إحدى مصارف الزكاة بنص القرآن الكريم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الرسول الاَكرم...محمد بن عبد اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ج13
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
بسملة القرآن  :: إسلامنا :: أعظم إنسان :: سيرة خير الأنام-
انتقل الى: